[٢١٥١] ان أَصْحَاب الصُّور يُعَذبُونَ وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ أَشد النَّاس عذَابا عِنْد الله المصورون وَالْمرَاد من يصور الْحَيَوَان دون الشّجر وَغَيره إِذْ الْفِتْنَة فِيهِ أعظم وَلِأَن الْأَصْنَام الَّذين يعْبدُونَ كَانَت على صور الْحَيَوَان كَذَا فِي الْمجمع قَالَ النَّوَوِيّ هَذَا مَحْمُول على من صور الْأَصْنَام فيعبد فَلهُ أَشد عَذَاب لِأَنَّهُ كَافِر وَقيل هَذَا فِيمَن قصد المضاهاة بِخلق الله تَعَالَى واعتقد ذَلِك وَهُوَ أَيْضا كَافِر وعذابه أَشد وَأما من لم يقصدهما أَي لم يقْصد بصورته الْعِبَادَة وَلَا المضاهاة فَهُوَ فَاسق لَا يكفر كَسَائِر الْمعاصِي مرقاة مَعَ شَيْء زَائِد
[٢١٥٢] اكذب النَّاس الصباغون والصواغون قَالَ فِي النِّهَايَة هم صباغوا الثِّيَاب وصاغة الْحلِيّ لأَنهم يمطلون بالمواعيد وَقيل أَرَادَ الَّذين يصبغون الْكَلَام ويصوغونه أَي يغيرونه ويخرصونه وأصل الصَّبْغ التَّغْيِير وَفِي تَارِيخ الْخَطِيب عَن أبي عبيد الْقَاسِم بن سَلام انه سُئِلَ عَن تَفْسِير هَذَا الحَدِيث فَقَالَ إِنَّمَا الصّباغ الَّذِي يزِيد فِي الحَدِيث من عِنْده يزينه بِهِ وَأما الصَّائِغ فَهُوَ الَّذِي يصوغ الحَدِيث لَهُ أصل وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بعد حِكَايَة كَلَام أبي عبيد وَيحْتَمل ان يكون المُرَاد بِهِ الْعَامِل بيدَيْهِ وَهُوَ صَرِيح فِيمَا روى فِيهِ عَن أبي سعيد وَإِنَّمَا نسبه الى الْكَذِب لِكَثْرَة مواعيده الكاذبة مَعَ علمه بِأَنَّهُ لَا يَفِي بهَا قَالَ وَفِي صِحَة الحَدِيث نظر مِصْبَاح الزجاجة
قَوْله الحكرة هُوَ فِي الأَصْل الظُّلم واساءة المعاشرة وَفِي الشَّرْع احتباس الاقوات لانتظار الغلاء بِهِ بِأَن يَشْتَرِي الطَّعَام فِي وَقت الغلاء ليغلو وَأما ان جَاءَ بِهِ من قَرْيَة أَو اشْتَرَاهُ فِي وَقت الرُّخص واوخره وَبَاعه فِي وَقت الغلاء فَلَيْسَ باحتكار وَكَذَا لَا يحرم الاحتكار فِي غير الاقوات بِهِ لمعات
قَوْله
[٢١٥٣] الجالب مَرْزُوق الخ قوبل الملعون بالمزروق والمقابل الْحَقِيقِيّ مَرْحُوم أَو محروم ليعم فالتقدير التَّاجِر مَرْحُوم ومرزوق لتوسعته على النَّاس والمحتكر مَلْعُون ومحروم لتضييقه عَلَيْهِم حليبي
قَوْله
[٢١٥٤] لَا يحتكر الا خاطئ قَالَ أهل اللُّغَة الخاطئ بِالْهَمْز هُوَ العَاصِي الْإِثْم وَهَذَا الحَدِيث صَرِيح فِي تَحْرِيم الاحتكار قَالَ أَصْحَابنَا الاحتكار الْمحرم هُوَ الاحتكار فِي الاقوات خَاصَّة وَهُوَ ان يَشْتَرِي الطَّعَام فِي وَقت الغلاء للتِّجَارَة وَلَا يَبِيعهُ فِي الْحَال بل يدخره ليغلو ثمنه فَأَما إِذا جَاءَهُ من قَرْيَة أَو اشْتَرَاهُ فِي وَقت الرُّخص واوخره وابتاعه فِي وَقت الغلاء لِحَاجَتِهِ الى اكله أَو ابتاعه ليَبِيعهُ فِي وقته فَلَيْسَ باحتكار وَلَا تَحْرِيم فِيهِ وَأما غير الاقوات فَلَا يحرم الاحتكار فِيهِ بِكُل حَال قَالَ الْعلمَاء وَالْحكمَة فِي تَحْرِيم الاحتكار دفع الضَّرَر عَن عَامَّة النَّاس كَمَا أجمع الْعلمَاء على انه لَو كَانَ عِنْد انسان طَعَام واضطر النَّاس اليه وَلم يَجدوا غَيره اجبر على بَيْعه دفعا للضَّرَر عَن النَّاس وَأما مَا ذكر فِي مُسلم عَن سعيد بن الْمسيب وَمعمر رَاوِي الحَدِيث انهما كَانَا يحتكران فَقَالَ بن عبد الْبر وَآخَرُونَ انما يحتكران الزَّيْت وحملا الحَدِيث على احتكار الْقُوت عِنْد الْحَاجة اليه والغلاء وَكَذَا حمله الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة وَآخَرُونَ وَهُوَ الصَّحِيح (نووي)
قَوْله
[٢١٥٧] ان سرك ان تطوق بهَا الخ الحَدِيث يدل على تَحْرِيم اخذ الْأُجْرَة على تَعْلِيم الْقُرْآن كَمَا ذهب اليه الزُّهْرِيّ وَأَبُو حنيفَة وَإِسْحَاق كَمَا ان الحَدِيث السَّابِق فِي الْبَاب السَّابِق يدل على جَوَازه وَهُوَ مَذْهَب الْمُتَأَخِّرين من فقهائنا لظُهُور التواني فِي الْعِبَادَات وَالْجَوَاب عَن أبي حنيفَة ان الحَدِيث السَّابِق فِيهِ جَوَاز اخذ الْأُجْرَة على الرّقية بِالْقُرْآنِ وَلَا نزاع فِيهِ لِأَنَّهَا لَيست بِعبَادة وانما النزاع فِي تَعْلِيمه وَقَالَ الطَّيِّبِيّ فِي تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث انه كَانَ مُتَبَرعا للتعليم نَادِيًا للاحتساب فكره رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ان يضيع أجره وَيبْطل حِصَّة مَا حَسبه بِمَا يَأْخُذ هَدِيَّة فحذره مِنْهُ وَذَلِكَ لَا يمْنَع ان يقْصد بِهِ الْأُجْرَة ابْتِدَاء ويشرط عَلَيْهِ كَمَا ان من رد ضَالَّة انسان احتسابا لم يكن لَهُ ان يَأْخُذ عَلَيْهِ اجرا وَلَو شَرط عَلَيْهِ أول أَمر اجرا جَازَ (إنْجَاح)
قَوْله ان سرك الخ قَالَ الطَّيِّبِيّ اخذ بِظَاهِرِهِ أَبُو حنيفَة وَإِسْحَاق فحرما اخذ الْأُجْرَة على تَعْلِيم الْقُرْآن وتأوله غَيرهمَا على انه كَانَ مُتَبَرعا بالتعليم نَادِيًا لاحتساب فِيهِ فكرة رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يضيع أجره وَيبْطل حسبته بِمَا يَأْخُذ هَدِيَّة فحذر مِنْهُ وَذَلِكَ لَا يمْنَع أَن يقْصد بِهِ الْأجر ابتدا انْتهى وَهَذَا الْجَواب لَيْسَ بناهض وَالْأولَى أَن يَدعِي أَن الحَدِيث مَنْسُوخ بِحَدِيث الرّقية الَّذِي قبله وَحَدِيث ان أَحَق مَا اخذتم عَلَيْهِ اجرا كتاب الله وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان مدَار هَذَا الحَدِيث على مُغيرَة بن زِيَاد عَن عبَادَة بن نسي عَن الْأسود بن ثَعْلَبَة عَن عبَادَة وَالْأسود لَا يعرف قَالَه بن الْمَدِينِيّ انْتهى مَا فِي الزجاجة قلت وَمن الْمَعْلُوم ان النّسخ لَا يُصَار اليه الا إِذا تعذر الْجمع وَهنا الْجمع مُمكن كَمَا هُوَ الظَّاهِر (فَخر)
قَوْله
[٢١٥٩] نهى عَن ثمن الْكَلْب قَالَ الْقَارِي وَهُوَ مَحْمُول عندنَا على مَا كَانَ فِي زَمَنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين أَمر بقتْله وَكَانَ الِانْتِفَاع بِهِ يَوْمئِذٍ محرما ثمَّ رخص فِي الِانْتِفَاع حَتَّى روى انه قضى فِي كلب صيد قَتله رجل بِأَرْبَعِينَ درهما وَقضى فِي كلب مَاشِيَة بكبش ذكره بن الْملك انْتهى قَالَ النَّوَوِيّ واما النَّهْي عَن ثمن الْكَلْب وَكَونه شَرّ الْكسْب وَكَونه خبيثا فَيدل على تَحْرِيم بَيْعه وانه لَا يَصح بَيْعه وَلَا يحل ثمنه وَلَا قِيمَته على متلفه سَوَاء كَانَ معلما أم لَا وَسَوَاء كَانَ مِمَّا يجوز اقتناؤه أم لَا وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِير الْعلمَاء مِنْهُم أَبُو هُرَيْرَة وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَرَبِيعَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحكم وَحَمَّاد وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَدَاوُد وَابْن الْمُنْذر وَغَيرهم وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَصح بيع الْكلاب الَّتِي فِيهَا مَنْفَعَة وَتجب الْقيمَة على متلفها وَحكى بن الْمُنْذر عَن جَابر وَعَطَاء وَالنَّخَعِيّ جَوَاز بيع كلب الصَّيْد دون غَيره وَعَن مَالك رِوَايَات دَلِيل الْجُمْهُور هَذِه الْأَحَادِيث وَأما الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي النَّهْي عَن ثمن الْكَلْب الا كلب صيد وَفِي رِوَايَة الا كَلْبا ضاريا وان عُثْمَان غرم انسانا ثمن كلب قَتله عشْرين بَعِيرًا وَعَن بن عَمْرو بن الْعَاصِ التغريم فِي اتلافه وَكلهَا ضَعِيفَة بِاتِّفَاق أَئِمَّة الحَدِيث
قَوْله
[٢١٦١] عَن ثمن السنور قَالَ النَّوَوِيّ واما النَّهْي عَن ثمن السنور فَهُوَ مَحْمُول على انه لَا ينفع أَو على انه نهى تَنْزِيه حَتَّى يعْتَاد النَّاس بهبته وإعارته والسماحة بِهِ كَمَا هُوَ الْغَالِب فَإِن كَانَ مهما ينْتَفع وَبَاعه صَحَّ البيع وَكَانَ ثمنه حَلَالا هَذَا مَذْهَبنَا وَمذهب الْعلمَاء كَافَّة الا مَا حكى بن الْمُنْذر عَن أبي هُرَيْرَة وطاؤس وَمُجاهد وَجَابِر بن زيد انه لَا يجوز بَيْعه وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ وَأجَاب الْجُمْهُور عَنهُ بِأَنَّهُ مَحْمُول على مَا ذَكرْنَاهُ
قَوْله