اتفق الفقهاء على أن النائم والصبي والمجنون يتعلق بهم خطاب الوضع من ضمان المتلفات وأروش الجنايات ونحوها، فليسوا بمنزلة البهيمة التي لم يتعلق بها حكم ألبتة، ولا بمنزلة الآدميين قبل البعثة؛ فإن الحكم لم يتعلق بهم أيضا ألبتة على المختار في أنه لا حكم قبل الشرع، والمختار فيه الجزم بعدم الحكم لا التوقف، ولا ينافي ذلك كون الحكم قديما، ولا كون تعلقه أيضا قديما عند من يقول بأن التعلق قديم، وهو المختار، وإنما لم يقدح في ذلك؛ لأن المقصود هنا التعلق الذي يوجد أثره في المحكوم عليه، وذلك منتفٍ قبل البعثة قطعا، إذا عرفت هذا فانتفاؤه قبل البعثة عام في خطاب التكليف وخطاب الوضع جميعا، ولا يثبت شيء من الأحكام الشرعية، وحكمنا بذلك حكم عقلي لا شرعي، أما بعد البعثة فقد عرفت أن خطاب الوضع ثابت في حق الجميع، وخطاب الندب ثابت في حق الصبي على الصحيح من مذاهب العلماء، فإنه مأمور بالصلاة من جهة الشارع أمر ندب مثاب عليها، وكذلك يوجد في حقه خطاب الإباحة والكراهة حيث يوجد خطاب الندب، وهو ما إذا كان مميزا، وإنما ينتفي في حقه الوجوب والتحريم؛ لأن فيهما كلفة، وهل انتفاء ذلك في حقه لعدم الحكم كما قبل الشرع أو حكم من حكم الله تخفيفا عنه؟ لم أر من تكلم في ذلك، وللبحث فيه مجال.
ويترتب عليه البحث في مدلول قوله في الحديث:(رفع القلم) ، فإن جعلنا الثابت في حقه عدم الحكم كما قبل الشرع كان معناه عدم الحكم واحتجنا إلى تكلف الجواب عن قول السائل: إنه لم يكن موضوعا، وعن حقيقة الرفع فإنها لم توجد، وإن جعلنا في حقه هو الحكم بعدم المؤاخذة