للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الوجه الثالث عشر]

لا شك أن يكبر ويعقل لا بيان فيهما فالتمسك برواية: (حتى يحتلم) أولى لبيانها، وايضا هي أصح سندا من حديث عائشة، وأما: (حتى يبلغ) ففيها الانقطاع كما قلناه، وفيها عدم البيان؛ لأنا لا ندري يبلغ ماذا؟ والأقرب إن صحت هذه اللفظة أن يكون المراد في قوله تعالى: (إِذا بَلَغوا النِّكاحَ) فيكون المراد: حتى يبلغ النكاح، ولا شك أن الاحتلام إنما يكون في ذلك السن، وقد يبلغ السن الذي يصلح أن ينكح فيه ولا يحتلم فتقتضي الآية الكريمة بلوغه، ولكن ذلك السن مختلف، فرب صبي قوي شديد الأسر كثير الفضلات تتوق نفسه إلى النكاح قبل خمس عشرة سنة، ورب صبي ضعيف جاف البدن لا تتوق نفسه وهو قريب العشرين، وقد يقال: إن البلوغ مطلق والاحتلام مقيد، فيحمل المطلق على المقيد، وهذا بحث جيد؛ لأن (يبلغ) فعل في سياق الإثبات لا عموم له فهو مطلق، وبيانه هنا أيضا بأن الرفع مغيا بالغايتين بمقتضى الحديثين، فإذا وجدت إحداهما ولم توجد الأخرى فانقطاع الرفع عمل بالمفهوم واستمراره عمل بالمنطوق فيتقدم، فإن كان السابق هو الاحتلام فلا شك أنه يحصل به البلوغ ويحصل الغايتان جميعا بخصوصه وعمومه، وإن كان السابق كبر السن فيعمل بالمنطوق إلى الاحتلام، وهذا ظاهر في سن خمس عشرة مما لم يدل دليل على أنه بلوغ، أما الخمس عشرة فسنتكلم عليها، فيثبت أن الاحتلام بلوغ قطعا وما سواه من السن قبل خمس عشرة ليس ببلوغ قطعا، وما عدا ذلك سنتكلم عليه إن شاء الله تعالى.

<<  <   >  >>