فسبحانه من حكيم قادر قاهر، تقصر عن حكمته عقول الحكماء، وقد اشتملت الروايات الثلاث التي ذكرناها في الحديث على المعاني الثلاثة التي ذكرنا أنها تحصل عند خمس عشرة وهي قوله:(حتى يكبر) و (حتى يعقل) و (وحتى يحتلم) ، فالكبر إشارة إلى قوته وشدته واحتماله للتكاليف الشاقة والعقوبات على تركها. والعقل المراد به الفكر؛ فإنه وإن ميز قبل ذلك لم يكن فكره تاما وتمامه عند هذا السن، كما أشرنا إليه من كلام الحكماء، وبذلك يتأهل للمخاطبة وفهم كلام الشارع والوقوف مع الأوامر والنواهي. والاحتلام إشارة إلى انفتاح باب الشهوة العظيمة التي توقع في الورطات، وتجذب إلى الهوى في الدركات، وجاء التكليف كالحَكَمة في رأس البهيمة تمنعها من السقوط، فانظر هذه المحاسن بعين بصيرتك، وتأمل هذه اللطائف بصفو فكرتك، يمتلىء قلبك بنور الفهم للكتاب والسنة، وأسال الله أن يوزعك شكر هذه المنة، وقيل لو علمت الملوك ما نحن فيه لجالدتنا عليه بالسيوف، والله أعلم.