للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال: لا، فقال له أبو بكر: فتب إلى الله واستتر بستر الله. فإن الله يقبل التوبة عن عباده. فلم تقرره نفسه حتى أتى عمر بن الخطاب. فقال له مثل ما قال لأبي بكر. فقال له عمر مثل ما قال له أبو بكر. فلم تقرره نفسه حتى جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال له إن الآخر زنى. فقال سعيد: فأعرض عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرات. كل ذلك يعرض عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا أكثر عليه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فقال: "أيشتكي أم به جنة؟ "، فقالوا: يا رسول الله، والله إنه لصحيح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبكر أم ثيب"؟ فقالوا: بل ثيب يا رسول الله. فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجم"١.

هذا الحديث يقرر التحري الكامل الذي يجب أن يقع قبل تنفيذ العقوبة، فقد أراد أبو بكر، ثك عمر رضي الله عنهما أن يسترا عن المذنب، ودعواه إلى التوبة قبل أن ينتشر خبره، ويصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه أبى، وأخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فأعرض عنه ثلاثًا ليدفعه إلى التأكيد مما يقوله عن نفسه، فاصر على قوله بإلحاح.

فبعث عليه الصلاة والسلام إلى أهله يسألهم عما إذا كان به مرض أو جنون؟ فنفوا ذلك وشهدوا بسلامته.

فسألهم هل هو متزوج؟ فأجابوا بالإثبات فرجمه.

هكذا ينبغي التحري في إثبات كل حد على مرتكبه وفي تنفيذه.

٤ الترغيب في الزواج وتيسيره:

سنبحث هذه المسألة عند الحديث عن الأسرة.


١ موطأ مالك ٤١، الحدود ١، باب ما جاء في الرجم حديث ٢، ج ٢: ٨٢.
صحيح البخاري ٨٦، الحدود ٢٢، باب لا يرجم المجنون والمجنونة ج ٤: ١٧٦.
صحيح مسلم ٢٩، الحدود ٥، باب من اعترف على نفسه بالزنا حديث ١٦ ج ٥: ١١٨.
ولم ذكر البخاري ومسلم فصة الرجل مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما و"الآخر" معناه الرذل الدنئ، كأنه يدعو على نفسه ويعيذها مما نزل به من مواقعة الزنا.
كنى عن نفسه بذلك، وهذا إنما يكون لمن حدث عن نفسه يقبيح فكره أن ينسبه إليه.

<<  <   >  >>