للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} ، {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} ، {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ} ، فهو يهْتَمُّ ويحزن لما يرى من مخالفة النّاس لعبادة الله سبحانه وتعالى، لأنه يريد للناس الخير، ويريد لهم النجاة، فيُحزنه إذا رآهم على سبيل الهلاك لكمال شفقته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وإنما امتاز- عليه الصلاة والسلام- عن البشر بالرسالة والفضيلة وكمال العبودية لله، فهو أكمل الخلق عبودية لله، وأخشاهم لله، وأتقاهم له.

{يُوحَى إِلَيَّ} من الله سبحانه وتعالى بواسطة جبريل عليه السلام كغيري من الرسل. فكل ما جاء به من الشرع وحي من الله.

{أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} يعني: معبودكم بحق. فالإله معناه: المعبود.

والمعبود بحق هو الله وحده. وما سواه فهو معبود بالباطل كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} .

فهذا فيه: أن زبْدة رسالة الرسول وأصل دين الرسول والذي جاء به وبدأ به هو: التّوحيد والإنذار عن الشرك، وكلُّ الرسل كذلك أول ما يبدؤون بالدعوة إلى التّوحيد وإنكار الشرك.

وهذا فيه ردٌّ على الذين يقولون في هذا الزمان: إن الرسل جاءوا لتحقيق الحاكمية في الأرض.

وهذا كلام محدَث باطل، فالرسل جاءوا لتحقيق العبودية بجميع أنواعها لله عزّ وجلّ.

كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} وقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥) } ، هذا هو الذي جاءتْ به الرسل، ويدخل فيه بقية أوامر الدين ومنها الحاكمية، أما أن تُجعل هي الأصل فهذا باطل، وهذا معناه: إهمال التّوحيد وعدم الاهتمام بأمر الشرك وعدم الالتفات إليه، وأن الرسل جاءوا لطلب الحكمة والرئاسة.

{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا} معناه: يخشى ويخاف، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} أي: يؤمِّل رؤية الله يوم القيامة، لأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة، ويتنعّمون برؤيته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعظم مما يتنعّمون بنعيم الجنة".

<<  <  ج: ص:  >  >>