ولما كان الغرض من الزواج العشرة الدائمة بين الزوجين للتوالد والتعاون على شئون الحياة وحاجات الإنسان كان لا بد لمن أرادا التزاوج أن يكون كل منهما على بينة من أمر الآخر قبل الارتباط بعقدة الزواج حتى لا يكون الاقتران على عمى. ولهذا شرع الله أحكام الخطبة وهي أن يطلب الرجل المرأة للزواج بها، ومع كون المخطوبة أجنبية من خاطبها ندب الشارع له أن يبصر وجهها وكفيها وقدميها، ويكرر هذا الإبصار إذا دعت الحال، ولكن لا يباح له أن يبصر مخطوبته مختليا بها, بل لا بد أن يكون معهما مَحْرم لها كأبيها أو أخيها أو عمها.
والأصل في هذا ما روي من أن المغيرة بن شعبة خطب امرأة فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسل:"أنظرت إليها"؟ قال لا: فقال عليه السلام: "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما".
والحكمة في إباحة إبصار الوجه أنه جماع محاسن الإنسان الخلقية، وملامحه وأسرته تنم عن جملة الحال النفسية فإذا تراءى الخاطب ومخطوبته تعرف منها مثل ما تتعرف منه ووقعت في قلب كل منهما للآخر إحدى المنزلتين من الميل أو النفور.
والحكمة في إباحة إبصار الكف والقدمين أنهما تنمان عن حال الجسم.
فبإبصار الوجه والكفين والقدمين وتكرير هذا الإبصار عند الاقتضاء يتعرف كل منهما جملة حال صاحبه. وأما تعرف الحال الخلقية بالتفصيل فهذا سبيله التحري ممن خالطوا الاثنين بالمعاشرة أو الجوار ولا يجدي في معرفته اجتماع مرة أو مرات في بضع ساعات قد يظهر كل واحد منهما فيها بغير نفسه الحقيقية، كما قيل في أمثال الناس "كل خاطب كاذب".
والحكمة في حظر خلوة الخاطب بمخطوبته, واشتراط أن يكون معهما محرم لها؛ هو سد الذرائع إلى الشر ومقاومة دواعي النفس الأمارة بالسوء.
وهذا السنن في الخطبة هو السنن المستقيم والوسط المعتدل بين إفراط من غلوا في الحجاب، ومنعوا أن يبصر الخاطب مخطوبته فيتم الزواج بين اثنين قد لا تأتلف