الزوجية والقرابة كل منهما موجب للنفقة، والقرابة كما قدمنا قرابة الولاد أي: الأصول والفروع المنحصرة في عمود النسب، وقرابة غير الولاد أي: الخارجين عن عمود النسب الذين ليسوا من الأصول ولا الفروع، والنفقة الواجبة بكل سبب من هذه الثلاثة تختلف في بعض الوجوه والأحكام.
"أولا" من جهة سبب الوجوب:
فسبب وجوب نفقة الزوجة على زوجها هو الجزاء على احتباسها لحق الزوج ومنفعته، ولهذا تستحق النفقة كل زوجة سلمت نفسها لزوجها ولو حكما، سواء كانت غنية أو فقيرة، وسواء كانت متحدة معه دينا أو مختلفة معه دينا، وسواء كان الزوج غنيا أو فقيرا، قادرا على الكسب أو عاجزا عنه؛ لأنه متى صح عقد الزواج وسلمت الزوجة نفسها ولو حكما وجد الاحتباس, فوجبت النفقة جزاء له.
وأما سبب وجوب النفقة بقرابة الولاد فهو الجزئية أي: كون الفرع جزءا من أصله، والإنسان كما تجب عليه نفقة نفسه تجب عليه نفقة جزئه، فمتى وجدت الجزئية وتحققت الحاجة إلى النفقة وجبت، ولا عبرة بكون الأصل وارثا فرعه أو الفرع وارثا أصله، أو غير وارث. ولهذا تجب نفقة الأصل على فرعه، والفرع على أصله ولو تخالفا في الدين؛ لأنه لا اعتبار للإرث. وتجب النفقة على الأقرب من الأصول أو الفروع ولو كان غير الوارث لترجح الجزئية بالقرب. وتجب نفقة الأب على ابنه وبنته الموسرين بالسوية لتساويهما في الجزئية وإن اختلفا في الإرث. وتجب نفقة الأب على ابن ابنه وبنت بنته بالسوية لتساويهما في الجزئية، وإن كان أحدهما وهو بنت البنت غير وارثه أصلا، والعلة في هذا أن سبب وجوب النفقة بقرابة الولاد هو الجزئية ثم القرب دون الميراث، وإلى هذا أشار الله سبحانه بقوله:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} فدل على أن العلة كونه مولودا له. أي: إن التوالد هو سبب الوجوب.