وأما سبب وجوب النفقة بقرابة غير الولاد فهو الإرث عملا بقاعدة الغرم بالغنم, فكما أن القريب المحرم يرث قريبه إذا مات، تجب عليه نفقته في حال الحياة إذا احتاج. ولهذا لا تجب النفقة بين هؤلاء الأقارب المحارم إذا اختلفوا دينا؛ لأن اختلاف الدين من موانع الإرث فهو من موانع وجوب النفقة بينهم. وتجب عليهم النفقة بقدر حصصهم من الإرث. والمحجوب منهم عن الإرث لا تجب عليه نفقة.
فمن له أخت شقيقة، وأخ شقيق موسران فنفقته عليهما أثلاثا. ومن له عم شقيق، وعمة شقيقة موسران فنفقته على عمه وحده، ومسلم له أخوان شقيقان موسران مسلم ومسيحي نفقته على أخيه المسلم وحده. والعلة في هذا أن سبب وجوب النفقة بقرابة غير الولاد التوارث، فغير الوارث لا تجب عليه نفقة، والورثة تجب عليهم النفقة بقدر حصصهم من الإرث. وإلى هذا أشار الله سبحانه بقوله:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} . فدل على أن العلة كونه وارثا. أي: إن التوارث هو سبب الوجوب.
"ثانيا" من جهة حكمة الشارع في إيجابها:
فنفقة الزوجة الحكمة في إيجابها أن احتباس الزوج لها لحقه ومنفعته يستوجب عليه القيام بنفقتها؛ لأنه يشغلها بحقوقه وواجباته. ولهذا تجب كما قدمنا للغنية والفقيرة على الغني والفقير. ويراعى في تقديرها حال الزوج المحتبس لها يسارا وعسرا؛ لأن الجزاء يراعى في تقديره مقدرة المفروض عليه.
وأما نفقة القريب على قريبه فالحكمة في إيجابها سد حاجة المحتاج منهم وصلة رحمه بمنعه من السؤال. ولا فرق في هذه الحكمة بين قرابة الولاد وقرابة غير الولاد. ولهذا لا تجب نفقة قريب على قريبه إلا إذا كان محرما له، فلا نفقة بين أبناء الأعمام والعمات، وأبناء الأخوال والخالات لعدم المحرمية، ولا تجب لقريب إلا إذا كان فقيرا محتاجا إلى النفقة حتى يكون ذا حاجة يجب على قريبه أن يسدها. ولا تجب على قريب إلا إذا كان موسرا أو قادرا على الكسب أو كسوبا وفي ماله فضل يفي بالإنفاق على غيره.