الطلاق الذي يوقعه القاضي بناء على طلب الزوجة يكون رجعيا في حالة واحدة وهي ما إذا كان سببه عدم إنفاق الزوج على زوجته أو عسره.
ويكون بائنا فيما عدا ذلك من الأحوال التي يوقع القاضي الطلاق كالتطليق للضرر وللعيب وللمرض ولغيبة الزوج أو سجنه على ما سيبين بعد.
وأما الطلاق الذي يوقعه الزوج فيكون كله رجعيا إلا في حالات ثلاث: الطلاق قبل الدخول حقيقة، والطلاق في مقابلة مال، والطلاق المكمل للثلاث.
فكل طلاق من الزوج رجعي إلا في هذه الثلاث، ولا فرق بين صريح اللفظ وكنايته إلا في أن الصريح لا يحتاج الوقوع به إلى نية. والثاني يحتاج إليها والدليل على ذلك قوله تعالى:{الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} فقد دلت هذه الآية على أن الطلاق المشروع مرة بعد مرة ورتبت عقب الطلاق في كل مرة حقا للزوج في إمساك زوجته بمعروف، وإمساكها بالمعروف يكون بمراجعتها في عدتها، وإنما يكون له هذا الحق في مراجعتها إذا كان الطلاق رجعيا، فالطلاق المشروع هو الرجعي مرة بعد مرة وهذا معنى قول الفقهاء الطلاق شرع معقبا للرجعة، واستثنيت الحالات الثلاث التي وقع الطلاق فيها بائنا بالنص.
أما الطلاق قبل الدخول حقيقة فلقوله تعالى في سورة الأحزاب:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} . وإذا كانت المطلقة قبل الدخول بها لا عدة عليها فلا يكون الطلاق الواقع عليها رجعيا؛ لأن المراجعة لا تكون إلا في العدة، وبما أنه لا عدة عليها فلا مراجعة لها فطلاقها بائن، والمطلقة بعد الخلوة طلاقها بائن أيضا، والعدة الواجبة عليها للاحتياط لا للمراجعة.
وأما الطلاق في مقابل مال فلقوله تعالى في سورة البقرة:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} . سمى الله سبحانه إعطاء الزوجة مالا لزوجها في مقابل طلاقها افتداء، والافتداء إنما يتحقق بخلاصها منه، والخلاص إنما يتحقق بالبائن؛ ولأن الزوجة إذا طلبت من زوجها أن يطلقها في مقابلة أن تعطيه مائة جنيه، أو في مقابل أن تبرئه من مؤخر صداقها، أو من نفقة عدتها، فإنها إنما تلتزم بالعوض لتخلص لها عصمتها، فإذا طلقها في مقابل ما التزمت به استحق هو العوض واستحقت هي الخلاص من عصمته, وهذا الخلاص لا يكون إلا بالبائن.
وأما الطلاق المكمل للثلاث؛ فلأن الله سبحانه بعد أن رتب على الطلاق في كل مرة من المرتين الأوليين الإمساك بالمعروف رتب على الطلاق في المرة الثالثة نفي