قدمنا أن مرض الموت هو: المرض الذي يعجز الرجل عن القيام بمصالحه خارج بيته, ويعجز المرأة عن القيام بمصالحها داخل بيتها. ويغلب فيه الهلاك. ويتصل به الموت. وأن من كان صحيحا ولكن وجد في حال يغلب هلاكه فيه، ثم مات حكمه وهو في حالته الخطرة حكم المريض مرض الموت. ومن هذا يؤخذ أن المرض لو أعجز صاحبه عن القيام بمصالحه, ولكن حصل الشفاء منه لا يعتبر مرض موت. وكذلك لو أعجز صاحبه, ولكن لم يكن بحيث يغلب فيه الهلاك, أو لم يعجزه ولم يغلب فيه الهلاك, تكون تصرفات المريض فيه تصرفات الصحيح. وقالوا إن المريض إذا طالت علته بأن مضت عليه سنة فأكثر من غير تغير وازدياد, يعتبر مرضه مرضا لا يغلب فيه الهلاك، وتكون تصرفات المريض بعد ظهور تطاول مرضه بمضي السنة عليه كتصرفات الصحيح. فلا يمكن الحكم على المريض بأنه مريض مرض موت إلا بعد موته، وما دام حيا لا اعتراض لأحد على أي تصرف له لاحتمال أن يبرأ من مرضه, فلا يكون مرض موت وتكون تصرفاته فيه كتصرفات الأصحاء.
تصرفاته:
بما أن المريض مرض الموت تتعلق بماله وحقوق دائنيه وورثته. وهو في مرضه عرضة للتهمة في تصرفه. فلا يكون حر التصرف في ماله, بل تكون أحكام تصرفاته على هذا التفصيل المقصود منه المحافظة على حقوق الدائنين والورثة ونفي التهمة.
فأما تصرفاته الإنشائية التي هي معاوضات محضة, وليس فيها محاباة في العوض ولا أي تبرع، مثل البيع والإجارة ببدل المثل، فهذه نافذة ولا حق لدائن أو وارث في الاعتراض على تصرف منها بعد موت المريض؛ لأن ما خرج عن ملك المريض دخل في ملكه بدله, وحقهم إنما تعلق بمالية ملكه لا بخصوص أعيانها، فبيعه وإجارته