للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الله تعالى في سورة البقرة: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} إلى أن قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} دلت هذه الآية على أمور:

"أحدها" أن عدد الطلقات ثلاث فقط؛ لأنها رتبت على كل مرة من المرتين إمساكا بمعروف أو تسريح بإحسان، والإمسكاك بالمعروف يكون بالرجعة في العدة. والتسريح بالإحسان يكون بتركها حتى تنقضي عدتها، ورتبت على الثالثة أنها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، فدل هذا على أنه بالثالثة انتهى ملكه وحله، فليس له إلا ثلاث طلقات.

"ثانيها" ما يترتب على الطلاق في كل مرة. فالطلاق أول مرة وثان مرة يترتب عليه أن يكون للزوج حق في إمساك الزوجة بالمعروف, وذلك بمراجعتها في عدتها أو في التسريح بالإحسان, وذلك بتركها حتى تنقضي عدتها, والطلاق للمرة الثالثة يحرمها عليه فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.

ومقتضى إطلاق الآية أن لا يفرق بين الحرة والأمة, ولكن الحديث المشهور وهو قوله -صلى الله عليه: $"طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان". قيد إطلاق الآية ودل على أنها خاصة بالحرة, فعدد الطلقات ثلاث للحرة وهو ثابت بالقرآن، وثنتان للرقيقة وهو ثابت بالسنة.

"ثالثها" أن هذه الطلقات الثلاث لا تقع إلا مرة بعد مرة ولا تقع دفعة واحدة؛ لأن معنى قوله: الطلاق مرتان: التطليق مرة بعد مرة, وعلى هذا لو أوقع الثلاث مرة واحدة لا تقع الثلاث، وإنما تقع طلقة واحدة فلو قال لزوجته أنت طالق ثلاثا أو بالثلاث أو هكذا وأشار بأصابعه الثلاث لا تقع إلا واحدة والعدد لغو، وهذا هو ما عليه العمل الآن وهو الوارد بالمادة "٣" من القانون رقم ٢٥ سنة ١٩٢٩، ونصها:"الطلاق المقترن بعدد لفظا أو إشارة لا يقع إلا واحدة".

وهذا مخالف لمذاهب الأئمة الأربعة وموافق لمذاهب أئمة آخرين من فقهاء الصحابة ومجتهدي المسلمين, وفي الأخذ به صيانة لرباطة الزوجية من العبث وحمل الأزواج على اتباع السنن المشروع لإيقاع الطلاق مرة بعد مرة.

<<  <   >  >>