ومن حيث إن هذه الدعاوى غير مسموعة شرعا؛ لأن شرط سماع الدعوى أن تكون ملزمة, وهذه الدعاوى غير ملزمة شرعا: "أولا" لما يؤخذ من القنية عن الإمام الوبري من أن الإمام ليس بملزم قضاء بإعطاء من له حظ في بيت المال بل له الخيار في المنع والإعطاء. وأما ما قاله ابن عابدين تعليقا على عبارة القنية من "أنه ليس للإمام الخيار في المنع والإعطاء من بيت المال مطلقا، وإنما له ذلك بالنسبة للمال الذي أخذه صاحب الحظ بدون علمه" فهو تأويل منه لصريح عبارة القنية. وحمل لها على خلاف ظاهرها لم يستند فيه إلى نص من كتب المذهب, فضلا عن مخالفته لروح الأحكام الشرعية المنصوص عليها في أبواب بيت المال فلا يعول عليه، وقد نقل عبارة القنية شارح الوهبانية وصاحب البحر والفتاوى الهندية وغيرهم من الفقهاء، ولم يعلقوا عليها بمثل ما علق به ابن عابدين. "ثانيا" نص الزيلعي وصاحب البحر والبدائع وغيرهم على ما يؤخذ منه أن صرف أموال بيت المال في مصارف مفوض لرأي الإمام, وموكول إلى اجتهاده, وظاهر من هذا أن الإمام لا يطالب قضاء بالصرف لشخص معين من المصارف. "ثالثا" أن الفقير الذي هو أحد مصارف البيت الرابع من بيوت المال ليس متعينا للصرف عليه منه لتعدد مصارف هذا البيت، فليس له ولاية المطالبة قضاء كالفقير في الزكاة والفقير في الوقف على الفقراء؛ لأن دعواهما غير ملزمة فلا تسمع إذن. لهذا توجه الوزارة نظر المحاكم إلى عدم سماع هذه الدعاوى، تحريرا في ٣ سبتمبر سنة ١٩٢٢ وزير الحقانية إمضاء