بين ذكوره وإناثه وتوالدهما، كما بقيت أنواع الحيوانات بمجرد اجتماع ذكورها بإناثها، ولكن الله سبحانه تكريما للنوع الإنساني شرع الزواج وأحكامه نظاما لاجتماع أفراده ليكون بقاؤهم على أكمل وجوه البقاء؛ لأن موجب الزواج الشرعي الاختصاص وأن تكون الزوجة حلالا لزوجها وحده لا يملك غيره حق الاستمتاع بها، وهذا الاختصاص يجعل بقاء النوع الإنساني على أكمل وجوه البقاء من ناحيتين: إحداهما أنه يحول دون تزاحم عدة من الرجال على امرأة واحدة فيأمن الناس التظالم والتقاتل اللذين يؤدي إليهما ذاك التزاحم. والثانية أنه يحفظ الأنساب ويجعل لأولاد كل زوجة أبا معروفا يتكفل برعايتهم والمحافظة عليهم في طفولتهم وبعدها؛ حتى يبلغوا أشدهم فيأمنوا الضياع والفناء.
ففي سد الذريعة إلى التقاتل والتظالم، وفي قيام كل أب بالمحافظة على بنيه والعناية بهم، بقاء لأفراد النوع على أكمل وجوه البقاء.
ولا كذلك إذا كان الاجتماع على غير نظام الزواج الشرعي ولم يكن الاختصاص بل كان الشيوع والاشتراك فإن هذا يؤدي إلى التقاتل ولا يعرف معه نسب لمولود فينشأ الطفل لا يعرف له أب يدفع عنه غوائل الهلاك في طفولته ويرعاه فيما بعد ذلك حتى يبلغ أشده, فإن نجا من الفناء بقي بقاء الهمل.
فالتناسل، وتوزيع مسئولية المحافظة على النسل والقيام بشئونه بين الآباء وتأمين أفراد النوع من التظالم والتقاتل هي أولى الأغراض من تشريع الزواج وأحكامه.
ومن هذا تفهم الحكمة فيما رواه أبو داود عن معقل بن يسار أن رجلا جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب ومال إلا أنها لا تلد أفأتزوجها؟ فنهاه. ثم أتاه الثانية فقال له مثل ذلك. ثم أتاه الثالثة فقال:"تزوجو الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم".