للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

امرؤ القيس، حين قال "قفا نبك"، فهذا هو حافظ إبراهيم يقول من قصيدة له في تهنئة الإمام محمد عبده بالإياب من الجزائر:

بكرا صاحبي قبل الإياب ... وقفا بي بعين شمس قفا بي١

ويقول أيضًا من قصيدة له في رثاء عثمان أباظة:

ردّا كئوسكما عن شبه مفؤود ... فليس ذلك يوم الراح والعود٢

ويقول شوقي في قصيدة له في إسماعيل:

يا خليلي لا تذما لي الموت ... فإني من لا يرى العيش حمدا٣

ومرات أخرى نرى الشعراء المحافظين يتحدثون، وكأنهم يعيشون في القرون الإسلامية الأولى، بل يرجعون إلى العصر الجاهلي، ويحيون في الصحراء بين الخيام والنخيل، ومع العيس والآرام، فهم يتحدثون عن أماكن فيذكرون وادي الغضا ونحوه، ويصفون حبيبة يعشقونها فيتصورون الظبا والمها، وهم يسافرون فيذكرون الركائب والرحال والجمال، ويتشوقون فيذكرون البرق الذي يلتمع من حيث يقيم الأحباب، ويدعون بأن يجود الغيث أماكن من إليهم يحنون. وعلى الجملة هم بخيالهم، وتصورهم يعيشون في ذاك العالم العربي القديم، الذي عاش فيه آباؤهم الأقدمون، وهم لا يزالون يتخذون من هذا العالم القديم عالمًا مثاليًّا أسطوريًّا، ينقلون عنه ويقتبسون منه، ويعبرون به عن العالم الجديد الذي فيه يعيشون، وقد يحس بعضهم أنه يُرمى بالتخلف والتقليد، فيترك الحديث عن وصف الناقة مثلًا حين يفتتح قصيدة له بحديث رحلة توصله إلى الغرض من القصيدة، فيتحدث بدلًا من الناقة عن السفينة، كما فعل شوقي في قصيدته الهمزية، التي يقول في مطلعها:

هممت الفلك واحتواها الماء ... وحداها بمن تقل الرجاء٤


١ ديوان حافظ جـ١ ص٢٣.
٢ المصدر السابق جـ٢ ص٢٣.
٣ الشوقيات جـ١ ص١٢٣.
٤ الشوقيات جـ١ ص١.

<<  <   >  >>