للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو يتحدث عن الطيارة باعتبارها آخر ما عرف من وسائل المواصلات، كما فعل عبد المطلب في قصيدته في مدح الإمام علي، حيث يقول:

أجدك ما النياق وما سراها ... نخوض بها المهامه والأكاما

وما قطر البخار إذا استقلت ... بها النيران تضطرم اضطراما

فهب لي ذات أجنحة لعليِّ ... بها ألقى على السحب الإماما١

ولكن الشاعر المحافظ يظل مع ذلك محافظًا، سائرًا على طريقة القدماء، آخذًا بتقاليدهم، متمسكًا بعمود شعرهم؛ لأنه لم يغير المنهج ولم يبدل الخطة، من حيث وصف الرحلة مثلًا، والتمهيد بوصف أو ذكر ما يركب، للدخول في الموضوع الأساسي٢.

وهكذا كان الطابع الغالب على الجو الشعري الذي يتنفس فيه الشعراء المحافظون، ويتنفس فيه معهم قراؤهم ومستمعوهم؛ هو الجو العربي القديم، الذي يصل أحيانًا إلى أن يكون جوًّا بدويًّا صحراويًّا.

وقد سبق تبرير ذلك المسلك للبارودي بأمرين، الأول هو روح الفترة التي كانت مشدودة الوجدان إلى التراث بكل ما فيه، وكل ما يصوره من ماض رائع، وتاريخ عربي إسلامي مشرق، والثاني هو طبيعة المرحلة الشعرية التي كان يحققها البارودي، وهي مرحلة الإحياء، التي كان لا بد منها لكي يعود الشعر إلى الأصالة والجمال، بعد الزيف والقبح، حتى ولو كانت الأصالة فيها روح التراث، ولو كان الجمال ذا سمات عريقة مضت عليها قرون، ولكنها خلدت على تلك القرون، فلم يكن من المستطاع أن يخلق البارودي، أو غيره شعرًا جديدًا من العدم، وكان من الضروري أن يقوم هو أو غيره، بصرف الأنظار عن الشعر الركيك المتخلف، وتوجيهها إلى شعر آخر حي نابض جميل، ولم يكن غير الشعر الجيد القديم، شعر التراث٣.


١ ديوان عبد المطلب ص٢٣٠.
٢ شعراء مصر وبيئاتهم للعقاد ص٤٩-٥٢.
٣ شعراء مصر وبيئاتهم ص١٢١، وما بعدها، ومقدمة الدكتور محمد حسين هيكل لديوان البارودي ص١١-١٤.

<<  <   >  >>