للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحق، فقال: "شعراء مصر في هذا العصر ليسوا شعراء هذا البلد ولا هذا الزمن، وإنما هم جماعة من تجار العاديات، لا يزالون يصورون لنا في هذه العصور تماثيل كاذبة لآداب الجاهلية الأولى"١.

وقد يقال: إن هؤلاء الشعراء كان يستخدمون أسماء الأماكن العربية، ونحوها استخدامًا رمزيًا لإثارة الوجدان، أو لخلق جو معين، كما يستخدم الشاعر العربي الحديث كلمة مثل "أبولو" أو "الأولمب" أو "منرفا" ونحو ذلك، ولكن يرد على هذا القول بأن استخدام الشعراء المحافظين لمشاهد العالم العربي القديم، لم يقف عند هذه اللمحات التي تدخل في باب الرمز، وإنما تعداه إلى تأسي الأقدمين في منهج القصيدة، ومعارضتها أحيانًا، واستخدام نفس المعاني والصور.

"د" تأثيرات حسنة، وأخرى سيئة للاتجاه المحافظ:

وإذا كان المحافظون قد أسهموا بشعرهم في النضال الذي خاضته البلاد حينذاك في كل الميادين، وحققوا انتصارًا للشعر بذلك، لم يحققه البارودي نفسه، وإذا كانوا قد جودوا التبعير الشعري، ووصلوا به إلى الغاية من حلاوة الموسيقى، وروعة البيان وإشراق الصياغة؛ فإن هاتين الحسنتين كانت لهما سيئتان تقابلهما، ويقتضي الإنصاف تسجيلهما، الأولى هي أن كثرة خوض الشعر للمعارك جره إلى كثير من المناسبات، والمواقف المحفلية، حتى أصبح شعر المناسبات والمجاملات ظاهرة توشك أن تطغى على بقية الظواهر الشعرية الفنية الأخرى، وقد صور الدكتور طه حسين هذه الظاهرة في أسلوب ساخر لا يخلو من المبالغة، ولكنه لا يبعد كثيرًا عن الحق، فقال: "وأصبح الشعر بفضل الشعراء وكسلهم العقلي فنًّا عرضيًّا، لا يحفل به إلا للهو والزينة والزخرف، فإذا أراد بنك مصر أن يفتتح بناءه الجديد، طلب إلى شوقي قصيدة، فنظم له شوقي هذه القصيدة، وإذا أرادت دار العلوم أن تحتفل بعيدها الخمسيني كما


١ اقرأ مقدمة ديوان الكاشف التي كتبها المنفلوطي جـ٢ ص ل.

<<  <   >  >>