للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقولون، طلبت إلى شوقي والجارم، وعبد المطلب أن ينظموا لها قصائد، فنظموا لها القصائد، وإذا مات عظيم وأريد الاحتفال بتأبينه، أو نبه نابه وأريد الاحتفال بتكريمه، طلب إلى الشعراء أن ينظموا الشعر في المدح والرثاء، فنظموه كما ينظمه القدماء؛ فانحط الشعر، حتى أصبح كهذه الكراسي الجميلة المزخرفة التي تتخذ في الحفلات والمآتم، وأصبحنا لا نتصور حفلة بغير قصيدة لشوقي أو حافظ، كما أننا لا نتصور عيدًا، أو مأتمًا بغير مغن، أو مرتل للقرآن١.

وقد جرت هذه الظاهرة السيئة -ظاهرة المناسبات والمحافل- إلى عدة ظواهر سيئة تفرعت عنها، من أهمها عدم تعبير الشعر في كثير من الأحيان عن تجارب صادقة، ومن أهمها أيضًا تشكل أسلوب الشعر، بما يلائم المحافل ومجامع الجماهير، ومواقف خطابهم، ومن هنا كثر عند الشعراء المحافظين التعبير المباشر الذي يجعل الشعر أحيانًا قريبًا من النثر، فيفسد عليه كثيرًا من قيمة الفنية؛ لأن ما أمكن أن يقال نثرًا، فمن الأفضل ألا يقال شعرًا٢، كذلك كثر عند هؤلاء الشعراء، الأسلوب الخطابي، وما يستلزمه من صيغ النداء، وأفعال الطلب وما إلى ذلك، حتى أصبح ذلك كله مظهرًا من مظاهر افتتاح القصائد عند بعضهم، وتستطيع أن تحصى في شعر شوقي مثلًا، عددًا كبيرًا من هذه الافتتاحات الخطابية، من مثل قوله: "قم ناج جلق"٣، ثم "قم حي هذه النيرات"٤، "قم في فم الدنيا"٥، "قم ناد أنقرة"٦. أو مثل قوله: "قف ناد أهرام الجلال"٧، "قف بالممالك وانظر دولة المال"٨،


١ حافظ وشوقي لطه حسين ص١٤٩-١٥٠.
٢ انظر: T.S Eliot" points of view.p.٥٢.
٣ الشوقيات جـ٢ ص١٢٢.
٤ المصدر السابق جـ١ ص١٠٢.
٥ الشوقيات جـ١ ص١٧٥.
٦ المصدر السابق ص١٩٨.
٧ المصدر نفسه ص١٢٩.
٨ المصدر نفسه ص٢٢٩.

<<  <   >  >>