للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"قف على كنز بباريس ثمين١"، "آذار أقبل قف بنا يا صاح"٢.

أما السيئة الثانية، التي تقابل حسنة تجويد الصياغة، فهي أن كثرة العناية بالصياغة والإفراط في الجانب البياني، جعل امثل الأعلى في الأداء الشعري مثلًا متعلقًا بالشكل، مهتمًا باللفظ، غير مكترث بالمضمون أو معني بالمعنى.

ومن هنا أوشك الشعر أن يتحول إلى صياغات جميلة، وأساليب آسرة. وموسيقى تملأ الآذان، وقد جرت هذه الظاهرة السيئة كذلك إلى عدة ظواهر سيئة أخرى تفرعت عنها أيضًا، من أبرزها إهمال جوانب فنية كثيرة تأتي وراء جمال الصياغة، وأسر الأسلوب وروعة الموسيقى، ومن أهم هذه الجوانب جانب الأفكار الدقيقة، والتجارب النفسية العميقة، واتضاح شخصية الشاعر وطبيعته، ولون نظرته إلى الحياة والكون، ورسمه للطبيعة والناس، وإضافاته الخلاقة إلى كل ما يتحدث عنه.

وهكذا أصبح كل الشعراء المحافظين سواء، يقولون تقريبًا نفس الأفكار، ويرسمون نفس الصور، ويوشكون أن يحسوا نفس الأحاسيس، حتى لا يستطاع تمييز واحد عن الآخر، أو معرفة بعضهم من بعض، اللهم إلا بما يكون من جودة صناعة أسلوبية يتفوق بها واحد أحيانًا عن واحد آخر، وذلك؛ لأن هدفهم جميعًا واحد، هو الصياغة البيانية المشرقة كما أن مثلهم واحد، وهو النماذج الرائعة خلفها التراث، فبقدر موهبة الشاعر منهم، وقدرته على إجادة الصياغة البيانية المشرقة، وبقدر قربه من نماذج التراث أو تفوقه عليها، كان حظه من التفوق والامتياز، وفي ذلك يقول العقاد في حديثه عن شوقي كإمام لهذا الاتجاه المحافظ البياني: "في أحمد شوقي ارتفع شعر الصنعة إلى ذروته العليا، وهبط شعر الشخصية إلى حيث لا تبين لمحة من الملامح، ولا قسمة من القسمات التي يتميز بها إنسان عن سائر الناس٣"، ويقول كذلك عن هذا الشعر المحافظ البياني، الذي سماه شعر الصنعة، مقابلًا بينه وبين شعر


١ المصدر نفسه ص٣١٢.
٢ الشوقيات جـ٢ ص٢٣.
٣ شعراء مصر وبيئاتهم ص١٥٦.

<<  <   >  >>