للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشخصية: "ومنه ما هو قريب إلى الطبيعة، ولكنه منقول من القسط الشائع بين الناس، وليس فيه دليل على شخصية القائل، ولا على طبعه؛ لأنه أشبه شيء بالوجوه المستعارة، التي فيها كل ما في وجوه الناس، وليس فيها وجه إنسان١". ويقول مرة أخرى عن شوقي إمام هذا الاتجاه: "فإذا عرفت شوقيًا في شعره، فإنما تعرفه بعلامة صناعته، وأسلوب تركيبه، كما تعرف المصنع من علامته المرسومة على السلعة المعروضة، ولكنك لا تعرفه بتلك المزية النفسية التي تنطوي وراء الكلام، وتنبثق من أعماق الحياة٢". ثم يقول أخيرًا مسميًا هذا الشعر المحافظ البياني باسم آخر غير اسم "شعر الصنعة"، وهو اسم "شعر النماذج": "ولقد وجد شعر النماذج في شوقي رسوله المبين، بل خاتم رسله أجمعين، فأبطاله من الممدوحين، والمرئيين طراز في مراتب المجد، التي يرتضيها السمت والهيبة، وفضائل الأخلاق في قصائده، هي الفضائل التي اصطلح عليها العرف، وتتابعت بها معايير الحمد والثناء، وعواطف الإنسان هي العواطف التي رسمها لنا تقاليد الزمن في أحوال المحبين والطامحين، أو آداب الآباء والبنين، وآيته فيما عرض له من ذلك كله، تلك القدرة البارعة في تجويد الصناعة التي لا تفوقها قدرة في عصره، ونكاد نقول في عصور الأقدمين والمحدثين٣".

وبديهي أن هذا الحديث عن شوقي، وكلفه بالصياغة لا يخصه وحده، وإنما ينسحب على كل الشعراء من أبناء اتجاهه مثل حافظ، ومحرم والغاياتي والكاشف ونسيم، وعبد المطلب.

وفي ظاهرة عدم تمايز الشعراء المحافظين -نتيجة لكلفهم بالصياغة أولا، ثم لاتخاذهم القديم مثلًا أعلى ثانيًا- يقول الدكتور طه حسين، منكرًا عليهم حتى التمايز بالألفاظ والأساليب، وغير مكتف بما أنكره العقاد من عدم


١ المصدر السابق والصفحة نفسها.
٢ شعراء مصر وبيئاتهم ص١٦١.
٣ اقرأ: مهرجان شوقي "مجموعة الأبحاث والدراسات التي نشرها المجلس الأعلى لرعاية الفنون" ص٨.

<<  <   >  >>