وبرغم ذلك وغيره مما أخذ على المنفلوطي وأسلوبه، قد كانت المقالات التي خلفها هذا الكاتب أول نماذج فنية للمقالة، يمكن أن تقرأ وتستعاد، فتمتع وتعجب، ويمكن لهذا أن تعتبر -بحق- قطعًا من الأدب، لا مجرد كتابات في الأدب، أو الأخلاق أو الاجتماع ككتابات كثيرين غيره.
وهذا نموذج من النظرات، عنوانه:"أيها المحزون" يقول فيه المنفلوطي:
"إن كنت تعلم أنك قد أخذت على الدهر عهدًا أن يكون لك كما تريد في جميع شئونك وأطوارك، وألا يعطيك ولا يمنعك إلا كما تحب وتشتهي، فجدير بك أن تطلق لنفسك في سبيل الحزن عنانها كلما فاتك مأرب، أو استعصى عليك مطالب، وإن كنت تعلم أخلاق الأيام في أخذها وردها، وعطائها ومنحها،، وأنها لا تنام عن منحة تمنحها، حتى تكر عليها راجعة فتستردها، وأن هذه سنتها وتلك خلتها في جميع أبناء آدم، سواء في ذلك ساكن القصر وساكن الكوخ، ومن يطأ بنعله هام الجوزاء، ومن ينام على بساط الغبراء؛ فخفض من حزنك، وكفكف من دمعك، فما أنت أول غرض أصابه سهم الزمان، وما مصابك بأول بدعة طريفة في جريدة المصائب والأحزان".
"أنت حزين؛ لأن نجمًا زاهرًا من الأمل كان يتراءى لك في سماء حياتك، فيملأ عينيك نورًا، وقلبك سرورًا، وما هي إلا كرة الطرف أن افتقدته فما وجدته. ولو أنك أجملت في أملك، لما غلوت في حزنك، ولو أنك أنعمت نظرك فيما تراءى لك، لرأيت برقًا خاطفًا، ما تظنه نجمًا زاهرًا، وهناك لا يبهرك طلوعه، فلا يفجعك أفوله".
"أسعد الناس في هذه الحياة، من إذا وافته النعمة تنكر لها، ونظر إليها نظر المستريب بها، وترقب في كل ساعة زوالها وفناءها، فإن بقيت في يده فذاك، وغلا فقد أعد لفراقها عدته من قبل".
"لولا السرور في ساعة الميلاد، ما كان البكاء في ساعة الموت، ولولا