البكري١، إذا استثنينا منه قصائده المستقلة، فكل من الكتابين يحوي مقالات في موضوعات مختلفة، وإن غلب عليها طابع التأملات، والانطباعات والوصف، وما إلى ذلك من الموضوعات القريبة من ميدان الشعر، وكل مقالة تعتمد أساسًا في أسلوبها على السجع، وحشد المترادفات، وإيراد الإشارات التاريخية، وبث الحكم والأمثال، ويزيد "صهاريج اللؤلؤ" على ذلك، تضمين المقالات بعض ما يناسب المقام من الشعر، إما للمؤلف، وإما من التراث. كما يزيد "صهاريج اللؤلؤ" أيضًا اشتماله على بعض قصائد شعرية للمؤلف لا تتخلل النثر، وإنما ترد مستقلة.
وليس من شك في أن هذا الاتجاه -برغم جودة بعض نماذجه- كان صحوة الموت بالنسبة للنثر البديعي المتكلف، الذي لفظ آخر أنفاسه بعد سيطرة الاتجاه المرسل، وتطور طرقه وتنوعها، منذ الفترة التالية.
وهذا نموذج من "أسواق الذهب" لشوقي، يقول فيه تحت عنوان المال: "يا مال الدنيا أنت، والناس حيث كنت، سحرت القرون، وسخرت من قارون، وسعرت النار يا نيرون. تعود الحقد أن يحالفك، وكتب على الشر أن يخالطك ويؤالفك، الفتنة إن حركتها اتقدت، وإن تركتها رقدت، والحرب وهي الحرب، تبعثها ذات لهب، منك الرياح ومنك الحطب، تزري بالكرام، وتغري بالحرام، وتضري بالإجرام، فقدانك العر والضر، ونكد الدنيا على الحر، حالك وحال الناس عجب، تملكهم من المهد، ويقولون: أصبنا وملكنا، وترثهم عند اللحد، ويقولون، ورثنا وتركنا، من عاش قوموه بما ملك، ومن هلك، تساءلوا: كم ترك؟ المحروم من أوثقك، والضائع من أطلقك، وهما فقيران، من جمعك ومن فرقك، كثير هم، وقليلك غم، ومع التوسط الخوف والطمع، والحرص والجشع؛ حذر النفاد، ورغبة في الازدياد. الملك سوقة إذا نزل إليك، والسوقة ملك إذا علا عليك.
١ اقرأ عنه في: الأعلام الزركلي جـ٦ ص٢٩١، وفي الأدب الحديث لعمر الدسوقي جـ٢ ص٤٢١ وما بعدها، وقد ظهر صهاريج اللؤلؤ قبل سنة ١٩١٢، التي نقل فيها المؤلف إلى لبنان للعلاج.