للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بهذا تطويرًا لمحاولة علي مبارك السابقة في "علم الدين"١. ويمكن من جهة أخرى اعتباره رواية أخذت طريقًا اجتماعيًّا يرمي إلى تصوير ما في المجتمع من مفارقات، ورسم ما بين جيل المؤلف، والجيل السابق من اختلافات، وتوضيح ما بين المجتمع الشرقي، والمجتمع الغربي من تباين؛ وعلى هذا يكون هذا العمل أول رواية اجتماعية مصرية في الأدب الحديث٢، برغم إفادتها من محاولة علي مبارك، وتأثرها بالمقامات.

ومهما يكن من أمر، فبالإضافة إلى الجانب الروائي في هذا العمل، قد كان له جانب آخر يشده بسبب إلى بعض الأشكال الأدبية في تراثنا العربي، وهو شكل المقامة، ويتضح ذلك من أول وهلة، حين نتذكر أن اسم الرواية الذي جعله المؤلف عنوانًا لهذا العمل، وهو "عيسى بن هشام" هو نفس الاسم الذي اتخذه بديع الزمان لرواية مقاماته، وليس ذلك هو الجانب الوحيد الذي يربط "حديث عيسى بن هشام" بالمقامات، بل هناك أيضًا استخدام السجع في لغة السرد والوصف، التي يحكيها عيسى بن هشام في عمل المويلحي، تمامًا كما كان يحكيها في عمل البديع، هذا بالإضافة إلى اشتراك العملين في تصوير بعض جوانب البيئة الاجتماعية، وألوان من قطاعاتها ومفارقاتها، ثم اشتراك العملين في عدم استمرار كل الشخصيات، واختفاء كثير منها بانتهاء الفصل الذي يتحدث عنها.

وليس معنى اشتراك "حديث عيسى بن هشام" مع المقامات في تلك الجوانب، أن هذا العمل مقامة كبيرة، أو مجموعة مقامات حاكي بها المويلحي بديع الزمان؛ فالواضح أن في "حديث عيسى بن هشام" -إلى جانب بعض نقط الشبه بالمقامة- مواطن اختلاف كبيرة، تقرب هذا العمل من الراوية، بل تجعله رواية فعلًا، قد استوحى صاحبها


١ انظر تطور الرواية العربية للدكتور عبد المحسن بدر ص٦٧ وما بعدها، والفن القصصي في الأدب المصري الحديث للدكتور محمود شوكت ص٤٦ وما بعدها.
٢ انظر: دراسات في الرواية المصرية للدكتور علي الراعي ص٧ وما بعدها.

<<  <   >  >>