للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التراث العربي، والتفت إلى بعض أشكاله، ومن أبرز مواطن الاختلاف بين المقامة و"حديث عيسى بن هشام" أن المقامة تتناول موقفًا بسيطًا نابعًا من حدث أو أحداث يسيرة، والبطل عادة رجل من الشطار، يدور حوله الحدث أو الأحداث اليسيرة، ولا تحس فيه نمو الشخصية، ولا ترى معه تطورًا لأحداث، ثم لايراد من المقامة -أساسًا- إلا تقديم حصيلة لغوية غزيرة، تتمثل في حشد المترادفات المختلفة، والألفاظ المتقعرة، التي تلف بالسجع لتخفيف وقعها وتيسير حفظها، أما "حديث عيسى بن هشام" فقصة طويلة، واضحة المعالم، لها بداية وفيها تطور ينتهي بنهاية مقنعة١، وتلك القصة بعد ذلك مليئة بالمواقف العديدة المعقدة، والأحداث الكثيرة المتطورة، والشخصيات المنوعة النامية، وفيها كذلك كثير من العناصر الفنية الروائية، كالتشويق والمفاجأة والتعقيد والحل، فيها ذلك كله برغم اشتمالها على بعض العيوب الفنية التي لا تجعلها رواية كاملة النضج، وإنما تجعلها بداية للرواية الاجتماعية الفكاهية، وإن كانت بداية على حظ غير قليل من التوفيق، ومن أبرز تلك العيوب -بالإضافة إلى ما تقدم من عيب عدم استمرار كل الشخصيات ونموها، وعيب التزام السجع في السرد والوصف -عيب فرض المؤلف ذاته، وآراءه على الشخصية في بعض المواقف، حتى تبدو الشخصية متحدثة لا بما يناسبها، ويلائم الموقف ويطور الحدث، وإنما بما يريد المؤلف أن يقدمه من رأي حول موضوع معين. ومن هنا يأتي الحوار أحيانًا أشبه بمقال٢. وبالإضافة إلى هذا العيب، يوجد عيب آخر، هو عدم الترابط بين بعض الفصول بشكل فني كاف، بل انفصامها أحيانًا، بحيث تبدو أشبه بلوحات اجتماعية فكاهية٣.

وإذا كان ارتباط "حديث عيسى بن هشام" بالمقامة قد أنقص من


١ دراسات في الرواية المصرية للدكتور علي الراعي ص٢١-٢٢.
٢ تطور الرواية العربية للدكتور عبد المحسن بدر ص٧٦-٧٧.
٣ دراسات في الرواية المصرية ص٢٢.

<<  <   >  >>