فلا يجد إلا حفيدًا، ولكن هذا الحفيد يرفض أن يعطيه ما يريد، فيحاول أن يتصل بأحد معارفه من رجال العهد السالف، فلا ينجح كذلك، وأخيرًا يتذكر أن له وقفًا يمكن أن ينتفع به في تلك الأزمة، ويدفعه ذلك إلى الاحتكاك بالقضاء الشرعي بعد أن احتك بالقضاء المدني.
ثم يترك المؤلف القضية لينتقل بالباشا بين قطاعات اجتماعية أخرى، ونماذج بشرية عديدة، كالطبيب، والعمدة، والمرابي، والغانية، والخليع، وغيرهم. وأخيرًا ينتقل المؤلف بالباشا في رحلة خارج مصر، ويقف كثيرًا عند مواطن الاختلاف بين المدنية الشرقية والمدنية الغربية.
وخلال كل تلك القطاعات والشخصيات، التي تعرضها الرحلة في الداخل أولًا، ثم في الخارج ثانيًا، يقدم المؤلف نقداته الاجتماعية، ويصور العيوب ويرسم المفارقات.
فهو يصور الشرطي مثلًا، مشغول عن المشادة بين الحمار والباشا، بما يجمعه من الباعة من أصناف المأكولات التي يحشو بها منديله الأحمر، وهو يصور وكيل النيابة مهملًا أصحاب القضايا، ليستقبل بعض أصحابه من الشباب الرشيق المعطر، وليتحدث معهم عن السهرات، ولعب القمار وصحبة النساء، وهو يصور القاضي ضيق الصدر متبرمًا بالمتقاضين، لا لكثرة القضايا فحسب، بل؛ لأنها ستفوت عليه وليمة قد دعي إليها عند الظهر تمامًا، وهو يصور المحامي الشرعي مدعيًا للتقوى، متظاهرًا بالصلاح، ليدخل الحيلة على المتقاضيات والمتقاضين، وليسلب من المال أكبر قسط ممكن، وقد كانت تلك القطاعات وهذه الفئات، على كثير من العيوب والانحرافات في ذلك الحين، مما سوغ للمؤلف نقدها بتلك الطريقة اللاذعة، مشاركًا فيما يخوضه كل المخلصين من الكتاب والقادة، والمفكرين من معركة النضال ضد الفساد، والتخلف والاستبداد.
ولا يفوت المؤلف منذ السطور الأولى أن يخرج نفسه من المأزق الذي كان سيوقعه فيه اختياره للبطل شخصية من الجيل الماضي، ينشق عنها القبر وتبعث من جديد، فيوضح المؤلف أن كل ما كان من التقاء عيسى بن هشام بأحمد باشا