المنيكلي، وما جرى بينهما ولهما من أحداث في مصر وخارجها، إنما كان رؤيا رآها ابن هشام في منامه.
وواضح أن ابن هشام هذا ليس في الحقيقة إلا محمد المويلحي مؤلف هذا العمل العظيم، الذي يعتبر استجابة حساسة واعية لروح العصر، من حيث الالتفات إلى التراث والاعتزاز به أولًا، ثم من حيث الإسهام بالقلم في معركة النضال، ذات الميادين العديدة التي اختار منها المؤلف في هذا العمل، ميدان الإصلاح الاجتماعي، فكان صاحب أول رواية اجتماعية في الأدب المصري الحديث.
وبعد، فهذا نموذج من "حديث عيسى بن هشام" نعيش فيه لحظات مع هذا الرائد من رواد الأدب الحديث بعامة، ورواد الفن القصصي بخاصة ... يقول المويلحي -على لسان ابن هشام- متحدثًا عن المحامي الشرعي، حين ذهب إليه الراوي مع الباشا ليوكلاه في قضية الوقف:" ... ووجدناه على سجادة الصلاة، وعلى يساره امرأة كانت السعلاة، فسمعناه يقول لها في تسبيحه؛ "أتستكثرين -أدر الله عليك خيره، وأبدلك زوجًا غيره- ما أخذته منك لاستنباط الحيلة في التفريق، واستخراج الحكم بالتطليق، فأبعدت عنك زوجًا تكرهينه، لتتبدلي منه زوجًا تحبينه؟ ثم إنه أحس بدخولنا من ورائه، فارتد إلى اتصال تسبيحه ودعائه، وانتفضت المرأة فتنقبت بخمارها، وتلفعت بإزارها، وخرجت وتركتنا، مع رجل يخدع الأنام بطول صلواته، ويتلو سورة الأنعام في ركعاته.
إذا رام كيدًا بالصلاة مقيمها ... فتاركها عمدًا إلى الله أقرب
وجلسنا مدة ننتظر خلاصة من هذا الرياء، وخلاص الملكين من صحيفته السوداء، وخلاصنا من هذا الكرب والعناء، وكنا نشاهد منه في خلال ذلك نظرات مختلسات نحو الباب، كأنه هو أيضًا في انتظار وارتقاب؛ إلى أن دخل علينا غلام يصيح به: "إلى متى هذه العبادة، فقد بليت السجادة، وحاجات الناس موكولة إليك، وقضاء مصالحهم موقوف عليك، وهذا دولة