للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناحية الفنية١، فإنه يعتبر صاحب المحاولات الاولى لهذا الفن في الأدب المصري الحديث.

وبرغم تصرفه في الروايات ذات الأصول الأجنبية، وبرغم طريقته غير الدقيقة في الكتابة القصصية بعامة، واعتماده على الاسترسال الإنشائي، والانفعال العاطفي الحزين، والبعد عن التحليل والتدقيق في رسم الشخصيات٢؛ فإنه يعتبر دعامة من دعامات الفن القصصي في الأدب المصري؛ فهو أول من صنع جمهورًا كبيرًا للفن القصصي، وحمل القراء على اعتبار القصص، والروايات نماذج أدبية عالية، لا تقل روعة عن الشعر، وبهذا يعتبر المنفلوطي مرحلة هامة في تاريخ أدب مصر الحديث بعامة، وفي تاريخ فنها القصصي بصفته خاصة٣. وهذا نموذج من قصصه القصيرة التي يمكن أن تسمى أيضًا: "المقالة القصصية" والتي تعتبر المحاولات الأولى لفن القصة القصيرة في الأدب المصري الحديث.

يقول المنفلوطي في "قصة الكأس الأولى" التي حكى فيها أنه سمع أنين جار له في هجعة الليل، فذهب يعوده ويعينه على أمره، وحين دخل إلى حجرة هذا الجار سأله عما به: " ... فزفر زفرة كادت تسقط له ضلوعه، وأجاب: أشكو الكأس الأولى، قلت: أي كأس تريد: قال: أريد الكأس التي أودعتها مالي وعقلي وصحتي وشرفي، وهأنذا اليوم أودعها حياتي، قلت: قد كنت نصحتك وعظتك وأنذرتك بهذا المصير الذي صرت إليه، فما أجديت عليك شيئًا، قال: ما كنت تعلم حين نصحني من غوائل هذا العيش النكد أكثر مما أعلم، ولكنني كنت شربت الكأس الأولى، فخرج الأمر من يدي، كل كأس شربتها جنتها على الكأس الأولى، أما هي؛ فلم


١ انظر: الأدب العربي المعاصر في مصر للدكتور شوقي ضيف ص٢٣٠.
٢ انظر: الفن القصصي لشوكت ص٥٨ وما بعدها، وفي الأدب المصري الحديث للدكتور القط ص٨١ وما بعدها، وتطور الرواية العربية للدكتور بدر ص١٨٠ وما بعدها.
٣ المصدر الأخير ص١٨٤.

<<  <   >  >>