للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يجنها على غير ضعفي، وقصور عقلي عن إدراك خداع الأصدقاء والخلطاء، فلم تكن شهوة الشراب مركبة في الإنسان كبقية الشهوات، فيعذر في الانقياد إليها كما يعذر في الانقياد إلى غيرها من الشهوات الغريزية، فلا سلطان لها عليه إلا بعد أن يتناول الكأس الأولى، فلم يتناولها؟ يتناولها؛ لأن الخونة الكاذبين من خلانه، وعشرائه خدعوه عن نفسه في أمرها، ليستكملوا بانضمامه إليهم لذتهم التي لا تتم إلا بقراع الكئوس، وضوضاء الاجتماع، ولو علمت كيف خدعوه وزينوا له الخروج عن طبعه ومألوفه، وأية ذريعة تذرعوا بها إلى ذلك؛ لتحققت أنه أبله إلى النهاية من البلاهة، وضعيف إلى الغاية التي ليس وراءها غاية١ ... ".

حـ- الرواية التعليمية التاريخية:

ظهر هذا الاتجاه الروائي التاريخي على يد جورجي زيادن٢، أحد إخواننا الشوام المسيحيين المهاجرين إلى مصر، والمستوطنين لها, وقد كان جورجي زيادن إلى جانب اشتغاله بالصحافة، يميل إلى كتابة التاريخ العربي والحضارة الإسلامية، مجازيًا في ذلك هذا المثيل الثقافي العام الذي غلب على تلك الفترة، وجذبها إلى الاعتزاز بالماضي والعمل على كشف الغطاء عنه، وقد رأى جورجي زيدان أن كتب التاريخ تتجه إلى المثقفين وحدهم، إن لم تقتصر على المتخصصين في التاريخ والمشتغلين بالحضارة؛ فأراد أن يكسب للتاريخ أكبر عدد من القراء العاديين، فاختار له شكل الرواية التي تيسر


١ النظرات جـ١ ص٣٧ وما بعدها.
٢ ولد في بيروت سنة ١٨٦١، وتعلم أولًا في بعض مدارسها الابتدائية، ثم درس العلوم الإعدادية، والتحق بالقسم الطبي بالمدرسة الأمريكية، وفي أوائل السنة الثانية اضطر إلى مغادرة البلاد إلى مصر لتكميل دراسته بها، غير أنه لم يصبر على طول مدة الدراسة، فاشتغل بتثقيف نفسه، وعمل بالصحافة حينًا، ثم رافق الحملة إلى السودان سنة ١٨٨٤ كمترجم. وزار بعد ذلك لندن سنة ١٨٨٦. وعاد إلى مصر فأدار أعمال المقتطف، ثم استقال سنة ١٨٨٨، وعكف على الكتابة ... وتولى التدريس حينًا ... ثم أصدر مجلة الهلال سنة ١٨٩٢. وظل يكتب للهلال ويؤلف في التاريخ وغيره إلى أن توفي سنة ١٩١٤. انظر: تاريخ آداب اللغة العربية جـ٤ ص٢٨٣ وما بعدها.

<<  <   >  >>