"الحجاج بن يوسف"، وفيه يصور مجلس الشعراء عند سكينة بنت الحسين، ويدير الحديث حول "حسن"، أحد رجال عبد الملك بن مروان، وليلى الأخيلية الشاعرة. يقول جورجي زيدان:"فدخلت ودخل هو في أثرها، بعد أن خلع نعليه بالباب، ووضعهما في ناحية يعرفها، ثم أطل على القاعة فإذا هي واسعة، وقد فرشت أرضها بالطنافس الثمينة وحولها الوسائد المزركشة، وفي صدرها ستارة عليها صور أشجار وطيور ملونة، جلست خلفها سكينة، ونساؤها بحيث ترى ضيوفها ولا يرونها.
ورأى في القاعة جماعة قد تصدر منهم خمسة، عليهم لباس البدو، جلسوا في صدر القاعة، فقال حسن: ومن هؤلاء المتصدرون؟
قالت ليلى: هم الشعراء. ألا تعرف أحدًا منهم؟
قال: أظنني أعرف أحدهم، الجالس على الوسادة المثنية؛ فقد عرفته من ضخامة بدنه وعبوسة وجهه وغلظه. أليس هو الفرزدق؟
قالت: بلى، هو بعينه، ألا تعجب من اجتماعه هو وجرير في مجلس واحد، مع ما اشتهر بينهما من المهاجاة؟
قال: وأيهم جرير؟
قالت: هو ذاك الذي كف شعره وأدهن، ومتى تكلم سمعت لكلامه غنة يخرج بها الكلام من أنفه كأن فيه نونًا.
قال: ومن ذلك الرجل القصير الدميم، العظيم الهامة مع اجمراره؟
قالت: هو كثير عزة العاشق المشهور.
قال: أعاذ الله عزة من منظره، فإنه قبيح! ومن هو ذاك الشاب الجميل الطويل بين المنكبين الحسن البزة، وكأنه جالس القرفصاء؟
قالت: هو جميل بثينة، أحد عشاق بني عذرة، ألا تراه حزينًا؟ فإنه علق بحب بثينة، ولما اشتهر حبه لها منعه أهلها منها ... "١.
١ انظر: الحجاج بن يوسف لجورجي زيدان ص٤٩ وما بعدها.