للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسرح الريف المصري، الذي صوره المؤلف تصويرًا شاعريًا مثاليًا أخاذًا، وهذا التصوير إذا أخذ مستقلًا كان من أروع ما كتب عن الريف من أدب، ولكنه إذا أخذ كمسرح لتلك الأحداث القاسية الحزينة، كان فيه كثير من التناقض، الذي يشبه تناقض "ديكور" المسرحية الحزينة، حين يجعل بهيجًا مشرقًا. وقد أخذ هذا على مؤلف "زينب١"، ولكن بعض النقاد يرى أن وصف الريف على هذا النحو قد جاء قصدًا، وأنه يمثل عنصرًا قائمًا بذاته في الرواية٢، وكأن المؤلف قد قصد به أن يكون تعويضًا من الطبيعة عما أصاب أهل الريف من الحرمان وقسوة الظروف٣.

وليس من شك في أن الدكتور محمد حسين هيكل، قد اعتمد في روايته على محاكاة ما قرأ من أدب فرنسي، وخاصة أدب الرومانسيين، وليس من شك أيضًا في أنه استوحى خياله، وعاطفته المشبوبة بسبب بعده عن مصر وحنينه إلى الوطن وريفه، الذي يمثل أصل بقعة فيه، واعتماد المؤلف على محاكاة ما قرأ في الأدب الفرنسي، يفسر ما يتخلل لوحة روايته أحيانًا من خطوط وألوان غريبة عن البيئة المصرية الريفية، مثل تصوير زينب العاملة "بواسة حضانة" على حد تعبير الأستاذ يحيى حقي، كأنها بطلة من أبطال قصة فرنسية. ومثل تصوير حامد متقدمًا إلى شيخ صوفي ليحدثه عن خطاياه؛ كأنه فتى مسيحي يتقدم للاعتراف أمام قسيس، ومثل رسم هذه الصورة الدرامية لنهاية زينب، حين تلفظ أنفاسها والدم ينزف من فمها، فتمسحه بمنديل حامد، وكأنها "غادة الكاميليا"٤.

أما عاطفة المؤلف المشبوبة وحنينه الملتهب إلى مصر، فيفسر إفراطه في وصف الريف وإسهابه في تصوير محاسنه؛ لأنه كان يراه من خلال خياله،


١ المصدر السابق والصفحة نفسها، ودراسات في الرواية المصرية ص٣٩ وما بعدها.
٢ فجر القصة ص٤٧-٤٨.
٣ انظر: زينب ص١٨.
٤ فجر القصة ص٥٠.

<<  <   >  >>