للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويجمله بما تخلعه عليه عواطفه، شأنه في ذلك شأن أي شاب وطني يغترب عن بلده الحبيب١.

وهذان العيبان -عيب الخطوط والألوان الأجنبية، وعيب الإفراط في وصف الريف وتصوير محاسنه، بطريقة لا تخدم أحداث الرواية، وبيئة أبطالها- تضاف إليهما بعض العيوب الأخرى، مثل: عدم الدقة في رسم الشخصيات، وعدم إنطاقها بما يلائم مستواها، وإنما بما يلائم المؤلف نفسه، ثم عدم التسويغ المقنع لبعض الأحداث والتصرفات٢، إلى غير ذلك من المآخذ التي لا تجعل من "زينب" رواية فنية كاملة النضج، وإن كانت بداية طيبة، ومبكرة للرواية الفنية في الأدب المصري الحديث.

بقي جانب يتصل بلغة هذه الرواية، وهو استخدام المؤلف فيها للعامية في الحوار كثيرًا ثم في السرد قليلًا، أما الحوار فيمكن تسويغ استخدام العامية فيه، بدافع فني هو الرغبة في تحقيق الواقعية، وإنطاق الأشخاص بلغة تلائمهم، وتحدد أبعادهم، خصوصًا وأكثرهم من الفلاحين، أما السرد فلا يبرر استخدام المؤلف للعامية فيه دفاع فني مقنع، وأغلب الظن أن الدافع الحقيقي كان عجز المؤلف في تلك المرحلة المبكرة من حياته الأدبية عن العثور على جميع الألفاظ والتراكيب الفصحى، التي تؤدي دلالات شعبية ريفية يريد أن يعبر عنها، وربما يؤكد هذا ما تورط فيه المؤلف من أخطاء نحوية تناثرت في الرواية.

ومع كل ذلك، فالدكتور محمد حسين هيكل يقف في طليعة من كتبوا الرواية الفنية، ويعتبر رائدها الأول في الأدب الحديث، ومن الطريف أنه حين نشرها أول مرة سنة ١٩١٢ استحى أن يضع عليها اسمه، بل استحى أن يسميها رواية أو قصة، وإنما كتب عليها "مناظرة وأخلاق ريفية، بقلم


١ انظر: زينب ص١١ وفجر القصة ص٤٨.
٢ انظر: تطور الرواية العربية ص٣٢٣-٣٣١. ودراسات في الرواية المصرية ص٣٩-٤٥. وفجر القصة ص٤٩-٥٢.

<<  <   >  >>