للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلاح مصري"، وقد فسر ذلك بعد هذا، فبين أنه خاف على سمعته كمحام من أن يعاب عليه كتابة الروايات؛ لأن الناس في تلك الأحايين لم يكونوا ينظرون إلى الروائيين بعين الاحترام١، وربما كان من الأسباب ما ذكره الأستاذ يحيى حقي، من اشتمال الرواية على أحداث حب، لم تكن البيئة الاجتماعية تحترم أصحابه في تلك الآونة٢، ولعل السبب الحقيقي، ليس خجل المؤلف من أن يعرف بكتابة الرواية؛ لأن غيره ممن كانوا أكثر تزمتًا قد عالجوا هذا الفن، وإن كان علاجهم لها بطريقة مخالفة، مثل الشيخ مصطفى لطفي المنفلوطي، ولعل السبب أيضًا ليس اشتمال الرواية على أحداث حب، فإن روايات المنفلوطي الشيخ الوقور قد اشتملت على تلك الأحداث، مما يدل على أن البيئة لم تكن تزدري الرواية الجيدة أولًا، ولا تأنف من اشتمالها على أحداث حب ثانيًا. والمعقول أن يكون سبب خجل المؤلف من تسميتها رواية، وإخفاء نفسه تحت لقب فلاح مصري، وهو إحساسه بأنه هو البطل حامد، وبأن أهم الأحداث التي في روايته واقعية، تجعلها أشبه بترجمة ذاتية، ولذا استحى المؤلف أن يقول للناس -وهو محام ناشئ-: إنه كان يحب العاملة الريفية زينب، ويمارس معها بعض مظاهر الحب الجسدية، وما إلى ذلك من أحداث، لا يليق بالمؤلف أن تنسب إليه، وهو رجل يعد نفسه للمناصب الكبرى، وينتمي إلى حزب سياسي له خصوم يتلمسون زلات رجاله٣.

وهذا جزء من رواية زينب، نعيش فيه قليلًا مع أول رواية فنية مصرية، ونتبين معه أهم خصائصها، يقول هيكل في أول الفصل الأول: "في هاته الساعة من النهار، حين تبدأ الموجودات ترجع لصوابها، ويقطع الصمت المطلق الذي يحكم على الفلاحين طول الليل، أذان المؤذن، وصوت الديكة


١ انظر: زينب ص٧، وفجر القصة ص٤٣ وما بعدها.
٢ فجر القصة ص٤٣-٤٤.
٣ المصدر السابق ص٤٤.

<<  <   >  >>