ويقظة الحيوانات جميعًا من راحتها، وحين تتلاشى الظلمة ويظهر الصباح رويدًا رويدًا من وراء الحجب -في هاته الساعة، كانت زينب تتمطى في مرقدها، وترسل في الجو الساكن الهادئ تنهدات القائم من نومه، وعن جانبها أختها وأخوها ما يزالان نائمين، فانسحبت هي من بينهما، وبعيون ما يزال فيها أثر النوم، نظرت لكل ما حولها، ولم يدعم نسيم الصباح تترك مكانها، بل استندت إلى الوسادة، وجاهدت أن تنظر لعلها تر ى ما في صحن الدار، فلم تجد شيئًا، وأدارت رأسها، فإذا باب الغرفة موصد، ولا صوت حولها، إلا ما يتنادى به رسل الصلاح من أطراف القرية.
"بقيت في مكانها هنيهة ساكنة لا تبدي حراكًا، ثم فردت ذراعيها من جديد، وأرسلت في الهواء تنهداتها، وتركت نفسها تذهب في أحلام يحييها النسيم، حتى أحست بالباب تفتحه أمها راجعة من أدوار "الملية"، وهنالك التفتت إلى أختها تهزها لتستيقظ، لكن الصغيرة كانت في نوم عميق فلم تنتبه، وتقلبت كأن بها ضيقًا ممن يقلقها في مضجعها ... وأخيرًا نادتها أمها:
- يا زينب..
- نعم..
"ولم تزد على هذا الجواب كلمة، وبعد أن استيقظت أختها، التفت إلى أخيها وأيقظته وحدقت نحو الشرق، فإذا الأفق متورد، والشمس في لونها القاني، والسماء قد خلعت قميص الليل، هنالك قامت فأوقدت نارًا، و"لدنت" فوقها رغيفًا لكل منهما، ولم تنس أمها وأباها.
"دخل أبوها راجعًا من الجامع، وقد قرأ الورد وصلى الفجر، وما كان يتخطى عتبة الدار، حتى نادى "يا محمد"، وسأله إن كان قد استيقظ بعد، وإن كان قد أعد عمله.
"وجلست العائلة جميعًا حول "المشنة"، وأكل كل منهم رغيفه "بحصوة" ملح، ثم قال الرجل وابنه إلى عملهما، أما زينب، فانتظرت مع أختها أن يمر بهما إبراهيم ليذهبوا جميعًا إلى مزرعة السيد محمود لتنقية القطن، وقد كان