وليس يخفى ما وراء هذا العمل من شعور باستقلال الشخصية المصرية،وبالحرية الفردية، وبروح الثورة جميعًا.
كذلك ظهر اتجاه شعري يغني ذات الشاعر وأحاسيسه، ويفيض بعاطفته الذاتية لا بعواطف قومه، ويهجر أساليب أسلافه إلى إبداعات فنه، وهو إلى ذلك يهيم بالخيالات المجنحة والمجالات الحالمة، ويهرب من متاعب الحياة وبرودة الواقع، إلى أحضان الطبيعة ودفء الحب.
وإذا تأملنا دوافع هذا الاتجاه الشعري١ في تلك الفترة، وجدنا من أهمها الشعور باستقلال الشخصية المصرية، والإحساس بالحرية الفردية، والتشبع بروح الثورة، هذا بالإضافة إلى كثير من الأسى والمرارة واليأس، وغير ذلك من مشاعر خانقة قد خلفتها خيبة الأمل، وسببها الشعور بالنكسة؛ هذا الشعور الذي جرف طائفة من المواطنين، وتمثل في مسلك هؤلاء الشعراء المرهفين، بعد سنوات من بدء تلك الفترة، حين ظهر العدوان على الحرية والعبث بمكاسب الشعب، والتآمر على انتصارات ثورة ١٩١٩.
وفي مقال هذه المظاهر التي تصور الشعور باستقلال الشخصية المصرية، والإحساس بالحرية الفردية والتشبع بالروح الثورية، والتي مثلتها أعمال أدباء ممن يسيرون في الاتجاه الفكري الغربي، وجدت مظاهر عديدة تصور وجهة نظر المحافظين أصحاب الاتجاه الفكري العربي، وتصور في نفس الوقت هذا الصراع الذي نشأ من اصطدام الاتجاهين الفكريين، والذي يعتبر الجانب الثاني من جانبي صورة الأدب في تلك الفترة.
فقد ظهرت كتابات ترد على الدعوة إلى أدب قومي أو أدب فرعوني، كما ظهرت كتابات تدحض الدعوة إلى العامية، وغيرها من الدعوات التي تدور
١ هو الاتجاه الذي يسمى "مدرسة أبوللو". انظر: تفصيل هذا الاتجاه في "جماعة أبوللو، وأثرها في الشعر الحديث" لعبد العزيز الدسوقي، و"الشعر بد شوقي" الحلقة الثانية للدكتور محمد مندور واقرأ ما كتب عنه في هذا الفصل في مبحث الشعر تحت عنوان "٣- ظهور الاتجاه الابتداعي العاطفي".