للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبالغ بروح الثورة، الذي ورط البعض في التخبط، ووصل بهم أحيانًا إلى الهدم. كذلك لم نعد نرى مظاهر الصراع العنيف، الذي أذكته الحزبية والصحافة، ووصل ببعض الأدباء إلى المهاترات والشتائم، ومجانبة ما تمليه روح الأدب في سماحتها ومثاليتها.

فمنذ سنة ١٩٣٢، قد بدأت تهدأ تلك الفورة التي خلفتها ثورة ١٩١٩، كما راح يتلاشى هذا الاستخفاف الذي صنعته الحرب العالمية الأولى، كذلك تجلى فشل تجارب القومية الضيقة، والفرعونية المنبتة، والعامية العاجزة، والتغريب المضلل، وانكشف الغرب للمبالغين في التعلق به، عن استعمار جشع، وهنا بدأت موجة التحرر تتعقل، فلا تنفصل عن الماضي العريق انفصالًا، بل تلتفت إليه بين الحين والحين، لتنتقي أروع ما فيه، بل لترتبط به شيئًا من الارتباط، يمد النهضة ببعض القوة ويجعل اليوم المتحفز، مستندًا إلى أمس ركين١.

كذلك بدأ الصراع يتحول إلى جدل فكري، وأدب خصب، بعد أن كان معارك كلامية جارحة، تتطاير خلالها الشتائم من غير حساب.

وهنا، ومع هذا التحرر وتعقله، وتحول الصراع واعتداله، ظهرت كتابات طه حسين، وهيكل عن محمد صلى الله عليه وسلم، فقد بدأ طه حسين ينشر "على هامش السيرة" في "مجلة الرسالة" سنة ٣٣، ثم أخرجه كتابًا بعد ذلك، وكان هيكل قد بدأ يكتب "حياة محمد"، ويذيع ما يكتب في "السياسة الأسبوعية" منذ سنة ٣٢ حتى استوى كتابه العظيم الذي أخرجه سنة ٣٥. بل إنه أتبع ذلك الكتاب بكتابه الإسلامي الثاني "في منزل الوحي" الذي


١ عبر الدكتور محمد حسين هيكل عن هذا التحول إلى الاعتدال والتبصر، أوضح تعبير في مقدمة كتابه: "في منزل الوحي"، كما أشار إلى ما كان من حيرة وتخبط قبل ذلك، في تعليقه على كتاب "وجهة الإسلام" الذي أخرجه "جيب"، وقد نشر هذا التعليق في ملحق السياسة الأدبي عدد ١٤ أكتوبر سنة ١٩٣٢. "انظر: لاتجاهات الوطنية: جـ٢ ص١٤٩، ١٥٩".

<<  <   >  >>