للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخرجه سنة ١٩٣٦، والذي كتبه بعد أن زار الأراضي الحجازية المقدسة، وفي هذا الكتاب الثاني أعلن الدكتور محمد حسين هيكل توبته عن التطرف في الاتجاه إلى الغرب، واستدبار الشرق، وأكد أن المذهب الذي اهتدى إليه أخيرًا بعد تجارب عديدة، هو وجوب ربط الحضارة المصرية الحديثة بالحضارة العربية القديمة، ولزوم استلهام الفكر والأدب المعاصرين للفكر والأدب الإسلاميين؛ لأن التراث الروحي للعروبة والإسلام، هو أنسب ما يمكن أن تستلهم الروح المصرية التي لم تنفصل قط عن ماضيها في العروبة والإسلام١.

وكانت سنة ١٩٣٣، قد شهدت ميلاد "مجلة الرسالة" التي يمثل صاحبها الاتجاه الفكري المحافظ، في شكله الناضج الواعي المثقف، الذي تسلح بثقافة الغرب، ولكن لم يجعلها تغلب في وجدانه روح العروبة والإسلام، وقد استكتب صاحب الرسالة في مجلته زعماء الاتجاه الفكري الغربي، بعد أن خفت حدتهم، فأذاعوا عن طريق الرسالة كتابات تعتبر مرحلة التحول والاعتدال في حياتهم الأدبية والفكرية، كما تعتبر مرحلة التحول والاعتدال في الأدب المصري الحديث أيضًا٢.

فمنذ هذا الوقت لم نجد دعوات أدبية مندفعة كالتي عرفت أيام "السياسة"، كما لم نجد خصومات كالتي شهدناها أيام "السفود"، وقد كانت معارك أدبيةٌ تحتدم بين الحين والحين، وعلى صفحات "الرسالة" بالذات، كالمعارك التي كان يخوضها الدكتور زكي مبارك كثيرًا، ولكن تكل المعارك التي حدتها كانت أقرب الموضوعية، وأدنى إلى روح المنطق، وأبعد ما تكون عن السباب، والتجريح الذي عرف في المعارك القديمة.

هذا، وقد كان من أهم نتائج التحرر والصراع، اللذين مثلا جانبي الأدب في تلك الفترة، اتضاح الأساليب الأدبية، وتميزها تميز شخصيات


١ انظر: في منزل الوحي للدكتور هيكل "المقدمة".
٢ حسبنا أن نعرف أن طه حسين كتب أول ما كتب في الرسالة "على هامش السيرة"، بعد أن كتب سنة ١٩٢٦ "في الشعر الجاهلي"، الذي تضمن ما أخذ عليه مما يمس العقيدة، كنظرته إلى قصة إبراهيم وإسماعيل، وعدم الاعتراف بها علميًا، ولو جاء بها التوراة والإنجيل.

<<  <   >  >>