للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النثر، بل تبدو كخاطرة أو تجربة شعرية لا يضيق بها الشعر، كذلك لا يعارض هذا ما كان من صوغ الملاح شعرًا -وهي في حقيقتها قصص طوال- وذلك؛ لأن الملاحم كانت تعتمد أساسًا على الأساطير، وتضرب في شعاب الخيال، وهي أمور ألصق بسذاجة الشعر وطبيعته، ولم تكن الملاحم قصصًا بالمفهوم الفني، الذي يتطلب تحليلا للمواقف، ورسمًا للشخصيات وإبرازًا لأبعادها النفسية والاجتماعية والأخلاقية، حتى يضيق بها الشعر كما ضاق بمحاولة أبي شادي، فتلك المحاولة بعيدة عن النجاح، حيث لم تحقق عملا قصصيًا جيدًا، ولم تقدم نصًا شعريًا ممتازًا، ففي الجانب القصصي إملال وإسهاب، وبعد عن خصائص فن القصص، وفي الجانب الشعري فتور ونظم، ونأي عن رونق فن الشعر، ويكفي -شاهدًا على ذلك- أن نقرأ مثل هذين البيتين اللذين يتحدث فيهما الشاعر في قصة "إحسان"، عن الخاطبة الحاجة "حليمة"، وما لها من تجارب وخبرات:

ويقال مصر كَحلةٍ ... ومثالها كالمغرفة

فلها اطلاع واسع ... ولها اختيار المعرفة١

ولكون سر النجاح عند شعراء هذا الاتجاه هو إدراكهم لطبيعة اتجاههم، ومحاولتهم تنمية هذه الطبيعة لا مسخها؛ نجد أن أنجح محاولة لهم في ميدان الشعر القصصي٢، هي محاولة الشاعر الهمشري، التي تمثلها قصيدته القصصية الطويلة "شاطئ الأعراف"، التي كتبها سنة ١٩٢٩، ونشر أجزاء منها في السياسة الأسبوعية: ثم نشرها كاملة في أبولو سنة ١٩٣٣ ٣، وتلك القصيدة تحكي رحلة خيالية يقوم بها الشاعر إلى الشاطئ الذي يقع وراء الحياة،


١ انظر: عبده بك لأحمد زكي أبي شادي ص١٦.
٢ من المحاولات الناجحة "أرواح وأشباح" و"أغنية الرياح الأربع" لعلي محمود طه، ولكنهما من نتاج الفترة التالية، الأولى سنة ١٩٤٢ والثانية سنة ١٩٤٣.
٣ انظر: جماعة أبولو لعبد العزيز الدسوقي ص٥٦٥، وانظر الهمشري لصالح جودت ص٣٣-٦٤.

<<  <   >  >>