فتعرض للحجيج في طريق المدينة والشام والعراق، يتلمس نساءهم ويتبين هوادجهن، ويعرض منها لمن تظهر عليها آثار النعمة والترف، فإذا وافى الحجيج مكة وغيرها من مواضع المناسك، كان عمر قد أحصى النساء اللاتي يجب أن يكون بينه وبينهن لقاء، أو حديث أو مكاتبة، وكانت له رسل تعمل في ذلك، فتأتيه المواعيد في مكة حينًا، وفي منى حينًا آخر، وكانت أحب ساعات الدهر إليه أوائل الليل من أيام الموسم، حين ينتهز النساء فرصة الليل فيخرجن للطواف، هنالك كان عمر بن أبي ربيعة يترصدهن، ومنهن من كانت تترصده. وهنالك كانت تبتدئ الأحاديث لتتم بعيدًا عن البيت، حتى إذا انتهى الموسم وأزمع الحجيج العودة إلى بلادهم، رأيت عمر مقسما بين نساء المدينة، ونساء الشام ونساء العراق، يشيع هذه ثم يعود فيشيع تلك، ثم يترك هاتين ليشيع امرأة أخرى، وهو لا يفرغ من تشييع امرأة إلا قال الشعر الجيد يسبقها إلى موطنها، ولا يلبث أن يسقط بين أيدي المغنين، فإذا هو مصدر للهو والطرب لهذه الأرستقراطية المترفة من أبناء قريش والأنصار، فكان موسم الحج موسم شعر وغناء في الحجاز".
" ... منذ سنين كتب صديقي الأستاذ ضيف رسالة باللغة الفرنسية قدمها إلى "السربون"، وقارن فيها بين عمر بن أبي ربيعة، وبين الشاعر الفرنسي "ألفرد دي موسيه"، وقد تكون هذه المقارنة خلابة في ظاهر الأمر، فعمر بن أبي ربيعة أظهر عشاق العرب، و"ألفرد دي موسيه" أظهر الغزلين من شعراء فرنسا في القرن الماضي، وكلاهما وقف حياته على المرأة وحبها، وكلاهما وقف شعره على جمال المرأة والتغني به، ولكن الفرق عظيم جدًا بين الشاعرين، عظيم إلى حد أن المقارنة بينهما مستحيلة، فليس بين نفسيهما شبه ما، أنت محزون حين تقرأ "ألفرد دي موسيه"، يتفرط قلبك لوعة وأسى، ويأخذك شيء من اليأس والسخط على الحياة والزهد فيها، حين تنظر إلى هذا الحب القوي المتين، فترى أنه على قوته وصدقه، ومتانته جريح يدمي.