للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المقدمات، بل أحيانًا لا تكون هناك مقدمات، ولا لجوء إلى التكرار أو اللف أو التوكيد بالكلمة أو بالجملة؛ لأنه لا محل لشيء من ذلك، وإنما المحل الأول لإعطاء أوفر معان وأغزر أفكار؛ وحسب الكلمة والعبارة أن تؤدي المعنى وتنقل الخاطرة وتفصح عن الشعور، وهي تتبع كلمة أو عبارة أخرى، لكن لا لتحدث معها إيقاعًا أو تزيد الفكرة تأكيدًا، وإنما لتزيد المعني ولتضيف إلى الفكرة جديدًا.

فهذه الطريقة لإحكامها لا تتزيد، ولا تهتم بالإطار، وإنما تجعله لباسًا محبوكًا مفصلًا على قد المعاني، بل إن هذا الإحكام قد يبالغ فيه أحيانًا إلى حد الضيق، فلا تتسع العبارة للمعاني بالقدر الكافي، وقد تطول الجملة مع ذلك أكثر من المألوف، فيبدو جزء من الأسلوب على شيء من الغموض أو الجفاف، أو الالتواء، ويتطلب من القارئ تنبهًا عظيمًا كما يقول الأستاذ "جيب"١.

على أن الغالب على تلك الطريقة الإبانة والإفصاح، ولا ينقصها الجمال الطبيعي البعيد عن التلاعب بالعواطف، وعن التوجه المباشر إلى العين بالصورة أو إلى الأذن بالجرس، بل إن هذا الجمال قد يصل أحيانًا إلى حد الشاعرية إذا كان الموقف متطلبًا لذلك، وهذا يأتي جريًا وراء الإحكام الذي يلبس كل مضمون شكله، ويختار لكل موقف ما يناسبه.

ومن سمات هذه الطريقة المميزة، استخدام التذييلات الضابطة، والاحتراسات المتحفظة، ضمانًا لإحكام التعبير، وصونًا لدقة المعنى.

ومن سمات هذه الطريقة كذلك الميل إلى التفصيلات المنقطية لا اللغوية، واستخدام المقابلات العقلية لا البديعية، وكل ذلك يأتي أيضًا جريًا وراء الإحكام، ورعاية لدقة أداء المعاني.


١ ذكر الأستاذ جيب أيضًا عن أسلوب العقاد أنه شديد الشبه في نسجه بالأساليب الغربية.
اقرأ حديثه في: Studies on the Civilization of Islam: Gibb. p.٢٣٣

<<  <   >  >>