للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحياة وحدها، أو تعد هذه الحياة المتوحدة غايتها، وأمنيتها من السعادة والخلو من الألم؟؟ ".

"وإما أن يكون معك في الوجود غيرك على ألا تحس به، أو على ألا يصدمك من هذه الأشياء صادم، ولا يقابلك منها ما ترى أن بينه، وبين حياتك اختلافًا وفرقًا، وهذه هي أشبه الحالات بـ"النرفانا" البوذية، أو هي الموت بذاته في صورة غير صورته المعهودة".

"ولست أفرض لهاتين الحياتين حياة ثالثة، إلا أن يتمنى المتمني أن تسره الأشياء الأخرى التي تصادمه في هذا الوجود، فلا يكون إلا مبتهجًا بها راضيًا عن جميع حالاتها، وهذا كالجمع بين المتناقضات؛ لأن منس ره قرب شيء ساءه البعد عنه، ومن أرضاه أن يدرك أملا أغضبه أن يحرمه، فإما حياة متشابهة من جميع الجوانب، فيستوي فيها الخير والشر والحسن والقبيح، بل لا يكون فيها خير ولا شر ولا حسن ولا قبيح، بل لا يكون فيها شيء تتمناه؛ لأنك لا تحرم فيها شيئًا، فكيف تكون هذه الحياة هي رضى النفس، وأمنيتها التي نتمناها؟ وإما حياة تختلف جوانبها ففيها النقيض ونقيضه، وفيها حينئذ ما يسر وما يسوء، وما يلذ

وما يؤلم".

"وخلاصة هذه الفروض، أن النازل عن الألم نازل عن ذاته، أو حياته في هذا العالم، وأن العقل الإنساني لن يستطيع أن يتخيل حياة مبرأة من الألم، وإن كان يتمناها أحيانًا.. ولو أننا دفعنا خوف الألم يومًا واحدًا من نفوس الأحياء لبادوا جميعًا في ذلك اليوم الواحد؛ ذلك أن أحدًا منهم لا يبالي أن يخبط بجدار، أو يسقط من علٍ أو يغرق في نهر، أو يلقى بنفسه في المهالك التي فيها تلف، وهو لا يتحرك في غيبوبة الألم حركة إلا كان مشفيًا على تلف أو واقعًا فيه، فنحن إنما نحفظ حياتنا الحاضرة بذخيرة من الآلام السابقة، التي عاناها أسلافنا وتعلموا منها ما تعلموه من حيطة ومقدرة، ولا نكاد نضيف شيئًا جديدًا على ما ادخروه من كنوز الحياة، حتى نسلك إليه من سراديب الألم وأنفاقه المظلمة. ولولا أنني أعلم أن الحياة نفس أكب من الألم، وأنكر

<<  <   >  >>