أنه كل شيء فيها، لقلت: إن الحياة هي قابلية الألم، وإننا كلما ازداد نصيبنا من الحياة ازداد معه قسطنا من الألم".
وليس معنى هذا بالبداهة أنني أمنع الشكوى على المتألمين، فإن الألم الذي لا يشتكي صاحبه فلا فائدة فيه، ولا أنني آبى العطف عليهم؛ فإن النفس التي تتسع للآلام تتسع للعطف عليها، ولكنني أعني أن أجعل الحياة أكبر من ألمها، وأن أقول: إن الحياة التي نألم في سبيلها جديرة أن تكون شيئًا عظيمًا، لا أن أعكس الأمر كما يعكسه بعض الساخطين المتذمرين، فأقول: إنها لحقيرة؛ لأننا نألم في سبيلها١..".
جـ- طريقة الرافعي:
وإنما فضلت لطريقة الرافعي اسم "طريقة البيان المقطر"؛ لأنه يميل في أسلوبه إلى الناحية البيانية، ويهتم في المقام الأول بجمال الصياغة وروعة الديباجة، ثم؛ لأن بيانه ليس ذلك البيان القريب التناول، البسيط العناصر، الهين الأداء، وإنما هو بيان فيه بعد وتركيب وجهد؛ حيث يجنح صاحبه إلى اعتصار المعاني، وتوليد الأفكرا، ومزج الخواطر، من خلال مجازات مركبة واستعارات بعيدة، وكنايات خفية، فيأت بيانه آخر الأمر أشبه بعملية تقطير لألوان من الزهور المعروفة، والورود المألوفة، والرياحين الشائعة، لاستخلاص عطر مركب مركز غريب، فيه جمال ولكن ليس فيه بساطة، وفيه متعة ولكن ليس فيه جلاء، وفيه فن ولكنه فن المهارة التي تسيطر على الفطرة.
وهكذا كان أسلوب الرافعي في النثر قريب الشبه بأسلوب أبي تمام في الشعر؛ تزدحم فيه الاستعارات والمجازات والكنايات والتشبيهات، ولكن في جدة وطرافة وإبداع في كثير من الأحايين، وهذا كله يأتيها من جهة إعمال الفكر وتحكيم المهارة، مما يبعدها كثيرًا عن المألوف، ويجنح بها
١ انظر: مطالعات في الكتب والحياة للعقاد ص٢٥٤ وما بعدها.