السياسيين بعده وساروا على الطريقة نفسها، وكان سعد كذلك يوشي خطبه بالسجع، وخاصة الخطب المعدة، فجاء بعض المفتونين بسعد وطريقته، ونهجوا النهج نفسه، بل بالغوا فيه كثيرًا، ونجد صورة لذلك في خطب مطصفى النحاس التي كان كثير منها أجزاء جمل -أو كلمات- مقطعة، يسيطر عليها سجع فيها كثيرمن التكلف والافتعال.
وكان من أنبه الخطباء السياسيين -بعد سعد- مكرم عبيد، الذي كان من أهم خصائص خطبه، اللجوء إلى الاقتباس من القرآن الكريم، وقد كان مكرم في ذلك ماهرًا أشد المهارة، حيث كان مسيحيًا شأنه إلا تكون له صلة بالقرآن الكريم، فاستشهاده بكتاب الإسلام الأول واقتباسه منه، يجذب إليه مشاعر الجماهير المسلمة الغفيرة، ويحملها على الإعجاب بثقافته وسماحته وأخوته!! وقد كان مكرم يتأسى هو الآخر خطى سعد في السجع، وكان يلتزم هذا السجع في بعض خطبه التزامًا، ويتفنن فيه تفننًا، حتى ليجعل بين السجعات الرئيسية سجعات فرعية، ولكن ذلك كله مع ذكاء وفن ومهارة، تبعد به كثيرًا عن المزالق التي تورط فيها بعض من قلدوا سعدًا دون أصالة.
وفي النصف الثاني من تلك الفترة، ومع نشأة جيل جديد من السياسيين، نجد طائفة من الشباب تلمع في ميدان الخطابة السياسية، ولا تلتزم طريقة سعد ولا طريقة السياسيين القدماء عمومًا، في الميل إلى إثارة العاطفة والتلاعب بالمشاعر، والجنوح إلى المحسنات التي في مقدمتها السجع؛ وإنما تميل هذه الطائفة من الشباب كثيرًا إلى مخاطبة العقول والإشارة إلى التاريخ، وخاصة تاريخ الثورات والحركات السياسية الناهضة، كما تعمد إلى بسط الحقائق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كل ذلك في دقة ووضوح وترسل،