للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دون إغفال لجوانب الحرارة العاطفية، والتدفق الخطابي الآسر، وكان يمثل هذا النوع أحمد حسين، وفتحي رضوان.

وإذا كانت الخطابة السياسة قد ازدهرت ازدهارًا مشوبًا بكثير من العيوب التي فرضتها روح الفترة -وهي روح الصراع السياسي-، فإن الخطابة القضائية قد ازدهرت ازدهارًا خالصًا، وارتقت رقيًا ساميًا، حتى اكتملت أهم مقوماتها ورست أقوى دعائمها، واصبحت منذ تلك الفترة من جملة التقاليد القضائية الرائعة.

وقد تضافرت عوامل مختلفة، على منح الخطابة القضائية هذا المستوى الرفيع. وكان في مقدمة هذه العوامل، استقرار تقاليد القضاء الوطني بعد استكمال مراحله وسيره نحو تمام تمصيره، ثم ظهور جيل من رجال القضاء الممتازين -بعد جيل الرواد- يجمع إلى الثقافة القانونية المستوعبة قدرة بيانية، وخطابية رائعة، وذلك لما لهم من صلة وثيقة بالتراث العربي وعيون أدبه، كذلك كان من أهم العوامل التي منحت الخطابة القضائية الازدهار، والرقي في تلك الفترة، ما كان من ممارسة رجال القضاء لعدد من القضايا الكبرى، التي خلفتها طبيعة المرحلة، بما حفلت به من معارك سياسية ووطنية١، فقد


١ مثل قضية "السردار" الذي اغتال فيها بعض الشباب الوطني المتحمس "السيرلي ستاك" "سردار" الجيش المصري، وحاكم عام السودان في ١٩ نوفمبر سنة ١٩٢٤، بينما كان عائدًا من مكتبه في وزارة الحربية إلى بيته في الزمالك، حيث أطلق عليه الرصاص من هؤلاء الشبان الذين كانوا يكمنون له في سيارة بشارع إسماعيل أباظة، مما أدى إلى وفاته في اليوم التالي ٢٠ نوفمبر، وقد قدم المتهمون إلى المحكمة فقضت في ٧ يولية سنة ١٩٢٥ بالإعدام شنقًا على ثمانية هم: عبد الفتاح عنايت، وعبد الحميد عنايت، وإبراهيم موسى، ومحمود راشد، وعلي إبراهيم، وراغب حسن، وشفيق منصور، ومحمد إسماعيل، كما قضت بالحبس سنتين على تاسع هو: محمود صالح، ثم استبدل حكم الإعدام بالنسبة للأول، وجعل الأشغال الشاقة المؤبدة، ونفذ في الباقين، انظر: في أعقاب الثورة المصرية للرافعي جـ١ ص١٨٣ وما بعدها وص٢٦٦.
ومثل قضية "الاغتيالات السياسية"، التي اتهم فيها جماعة من الشباب الوطني -من بينهم أحمد ماهر ومحمود فهمي النقراشي- بما كان يصاب به بعض الإنجليز من اغتيالات في أعقاب =

<<  <   >  >>