للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الخطابة الدينية فقد ازدهرت ازدهارًا رائعًا، ولمع في ميدانها طائفة أسهموا في الحياة العامة بخطبهم الدينية إسهامًا عظيمًا، بل أرسوا تقاليد جديدة للخطابة الدينية، حيث جعلوها تقرب من الفكر الصحيح، وتدنو من المنطق العلمي، وتمتزج بالثقافة الواسعة، هذا إلى جانب البيان المشرق والعاطفة الجياشة، والتدفق الأخاذ والروحية الشفافة.

وقد كانت هناك أسباب عديدة أدت إلى ازدهار الخطابة الدينية في تلك الفترة، ومن أهم تلك الأسباب تقدم التعليم الديني تقدمًا ملحوظًا، بسبب إصلاح الأزهر، والاهتمام بالدراسات الدينية في عدد من المعاهد العالية غير الأزهر١. كما كان من تلك الأسباب، تقدم الحياة الأدبية عمومًا؛ واتجاه أعلامها -وخاصة في النصف الأخير من تلك الفترة- إلى الموضوعات الإسلامية، ثم اهتمام بعض الصحف بالمناسبات المتصلة بالإسلام؛ واستكتاب كبار الأقلام في هذه المناسبات، فهذا كله قد فتح للخطباء الدينيين آفاقًا جديدة، وأمدهم ببيان حي؛ ووجه أسلوبهم الخطابي، وجهة أرقى.

على أنه كان من أهم أسباب تقدم الخطابة الدينية، وازدهارها في تلك الفترة -فوق كل ما تقدم- تأليف عدد من الجمعيات الدينية؛ التي كانت لها بدايات طيبة في التوجيه الديني والتعبئة الروحية، والتي كانت الخطابة من أهم أدوات القائمين عليها في تحقيق ما يقصدون من أهداف.

وقد لمع من بين الخطباء الدينيين في تلك الفترة عدد من الشيوخ المتأدبين المستنيرين كالشيخ المراغي، والشيخ شلتوت، كما لمع عدد من القائمين على بعض الجمعيات الدينية، ووصل بعضهم إلى حد طبع كثيرين بطريقته وخصائص أسلوبه.

وكان من أهم مميزات الخطابة الدينية في تلك الفترة ابتعادها نهائيًا عن المحفوظ من المواعظ والمكرور من القوالب، ثم اتجاهها إلى ربط الدين


١ مثل: القضاء الشرعي، ودار العلوم وكلية الحقوق.

<<  <   >  >>