للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالدنيا، وعدم الفصل بين الإسلام والسياسة، ثم محاولة إبداء الرأي في أكثر القضايا الوطنية والقومية، ومعظم المشكلات المعاصرة من دستورية واقتصادية وسياسية، والبحث لذلك كله عن سند من الإسلام، أو رأي في كتاب الله أو سنة رسوله، أو مأثورات السلف، هذا من ناحية الموضوعات، أما من ناحية الأسلوب، فكان -في جملته- أسلوبًا مترسلًا جيدًا، يجنح كثيرًا إلى الاقتباس من القرآن والحديث، وإلى الاستشهاد بأخبار النبي والصحابة والسلف الصالح، ويعتمد في جماله على الجزالة العربية، والجملة القرآنية، والبيان الذي عرفناه عند خطباء الإسلام في عهود الازدهار، هذا مع التدفق والجيشان والحرارة العاطفية، وخاصة عند بعض زعماء الجمعيات الدينية الذين كانت الخطابة من أبرز مقومات شخصياتهم، وأهم وسائل دعوتهم.

وأما الخطابة الاجتماعية، فقد ازدهرت هي الأخرى، نتيجة لنمو المجتمع وازدياد مشكلاته وتعدد قضاياه، وخاصة بعد الاستقلال، وتغلب التيار الفكري الغربي، ثم نتيجة لتقدم الثقافة وإنشاء عدد غير قليل من الجمعيات، والهيئات التي تعني بشئون المجتمع وتهتم بإصلاحه، كالجمعيات المتصلة بقضايا الريف أو شئون المرأة، أو دعوات البر، وما إلى ذلك.

وقد كانت هناك قضايا كثيرة تشغل الأذهان، وتتبارى الألسن في نقاشها عن طريق الخطابة الاجتماعية، وكان في مقدمة تلك القضايا: قضية المجتمع بين المحافظة والتقليد، وقضية المرأة بين البيت والعمل، وقضية الإصلاح وأهم وسائله، والنهوض وأنجع طرائقه، وما إلى ذلك من قضايا اجتماعية.

وقد لمع في ميدان الخطابة الاجتماعية طائفة ممن اتجهوا إلى الإصلاح الاجتماعي، وكانت لهم قدرات خطابية ساعدتهم على توصيل أفكارهم إلى الآخرين، وكان في مقدمة هؤلاء الأستاذ محمد توفيق دياب، الذي كان يمثل الخطيب النموذج في ذلك الحين، حيث كانت تجتمع فيه مقومات الخطيب البارع موهوبة ومكتسبة، من لسن وحسن بيان، إلى سعة في الثقافة، واحتفال

<<  <   >  >>