للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كبير بالأداء، فقد كان يعني كثيرًا بالوقفة، والحركة، والإشارة وحسن التنغيم، حتى كان في بعض المواقف أشبه بممثل يؤدي دورًا، منه بخطيب يلقي حديثًا. وكان كل ذلك مناسبًا للمزاج الفني للعصر الذي كان يعجب أشد الإعجاب بتمثيل يوسف وهبي، وما فيه من صنعة وجلجلة.

على أنه في الجزء الأخير من تلك الفترة ظهرت طائفة من الخطباء الاجتماعيين يعتمدون على المنطق الهادئ أكثر من الاعتماد على البيان الجزل، ويجنحون إلى التأثير في الفكر أكثر مما يهتمون بالتأثير في الوجدان، ويفضلون لغة الأرقام وبسط الحقائق، على لغة الشعر والتحليق في الخيال، وقد كان من ألمع الخطباء الاجتماعيين الذين سلكوا هذا المسلك إبراهيم سلامة، ومظهر سعيد، اللذان قد جمعا إلى المضمون الفكري، والمنهج العلمي قدرة بيانية فائقة، وتدفقًا خطابيًّا آسرًا.

وقد أدى اتصال هذا النوع من الخطابة اتصالًا مباشرًا بشئون الناس، وأمور حياتهم اليومية، إلى جنوح بعض الخطباء الاجتماعيين إلى التعبيرات الشعبية والاستعمالات العامية، فجاءت خطبهم أقرب إلى لغة الشعب، مما يمكن أن تسمى معه "بالخطابة الشعبية"، أي التي تقال بلغة الشعب وتعكس روحه، وقد كان فارس هذا الميدان فكري أباظة.

هذا، وقد نشط في تلك الفترة لون الخطابة الحفلية، وهو ما كان يلقى في حفلات التكريم والتأبين والاستقبال والتوديع، وما إلى ذلك من مناسبات تدور حلو شخص أو أشخاص، ولا تتصل بالجماعة اتصالًا مباشرًا، وهذا اللون من الخطابة قد عرفق هو الآخر من قبل، ولكنه نشط في هذه الفترة التي يساق عنها الحديث، نتيجة للتقدم الاجتماعي، ومراعاة كثير من التقاليد والمواضعات الراقية، ثم نتيجة كذلك للصراع الذي كان طابع ذلك العصر، وكان من نتائجه ظهور زعامات ورياسات عديدة، فكان أعوان تلك الزعامات والرياسات يتلمسون الفرص تلمسًا لإظهاره الحفاوة بهذا الزعيم، أو ذاك

<<  <   >  >>