للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرئيس، ومن وراء ذلك تكون الدوافع السياسية والحزبية، وتتأجج الصراعات التي كانت تحكم ذلك العصر.

وقد كان هذا اللون من الخطابة يحكمه -غالبًا- أمران رئيسيان؛ الأول طبيعة الموقف، والثاني طبيعة الشخص الذي يدور حوله الحفل، أما طبيعة الموقف فكانت تجعل من الخطبة خطبة مدح أو رثاء مثلًا، إذا كانت القول في مقام تكريم أو تأبين، وأما طبيعة الشخص الذي يدور حوله الحفل، فكانت تلون الخطبة كثيرًا بلون فنه أو طبيعة عمله، فإذا كان من أهل السياسة صبغت الخطبة -مهما كان الموقف- بلون سياسي، وإذا كان من رجال الأدب خاضت الخطبة كثيرًا أو قليلًا في أمور الأدب، كل ذلك علاوة على كونها أساسًا خطبة تكريم أو تأبين، وعلاوة أيضًا على كون قائلها من أهل السياسة والأدب، أو من غير هؤلا وهؤلاء.

وهكذا كانت الخطبة الحفلية تأخذ طابعًا خاصًّا تمتزج فيه -غالبًا- عدة خصائص من أنواع مختلفة من الخطابة، وإن كان يغلب عليها طابع الموقف قبل كل شيء، هذا الموقف الذي يفرضه موضوع الحفل.

وكان خطباء المحافل هم خطباء السياسة والقضاء والاجتماع، بالإضافة إلى رجال الأدب الذين كانوا يسهمون في كل هذه الأمور، أو في أكثرها بأوفى نصيب.

ومن أمثلة الخطابة السياسية تلك الخطبة التي قالها سعد زغلول في حفل أعضاء مجلس الشيوخ، الذي أقامه له هؤلاء الأعضاء بعد انتخابهم لأول مرة سنة ١٩٢٤، والتي يقول فيها:

"أيها السادة شيوخنا الكرام: أشكر حضراتكم على هذه الحفلة المملوءة وقارًا، وعلى هذا التركيم الجامع لأسباب البهجة والسرور، وأشعر في نفسي بخجل شديد عندما أتصور أن شخصي الضعيف هو موضوع هذا الاحتفال الشائق، وأنه المعنى بمدح خطبائكم والمقصود من ثنائكم، اعتقادًا مني أني دون ما تصفون، ولا شك أنكم تغرفون لي من بحار فضلكم، وأنكم

<<  <   >  >>