للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الجن، الآية: ١٣]: وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً، أى لا يهضم حقه، ولا يظلم بذل يرهقه؛ لأن عزة الإيمان تمنعه وتحفظه، وهذا يشمل الدنيا والآخرة، ثم قال فى أمر الدنيا: وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (١٦) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً «١» [الجن: ١٦، ١٧].

ومن الشواهد على هذه الحقيقة التى غفل عنها المفسرون وغيرهم قوله تعالى: عطفا على الأمر بمنع المشركين من دخول المسجد الحرام: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ [التوبة: ٢٨]، أى وإن خفتم فقرا يعرض لكم بحرمان مكة مما كان ينفقه فيها المشركون فى موسم الحج وغيره فسوف يغنيكم الله تعالى بالإسلام وفتوحه وغنائمه «٢».

وكذا قوله تعالى للذين أعطوا الفداء من أسرى بدر: إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ [الأنفال: ٧٠]، وكذلك كان، فقد أغنى الله العرب الفقراء بالإسلام فجعلهم أغنى الأمم والأقوام «٣».

وقد امتن الله تعالى على نبيه بالغنى بعد الفقر بقوله تعالى: إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ [الضحى: ٨]، وامتن على قومه بتوفيقهم للتجارة الواسعة برحلة الشتاء والصيف فى سورة خاصة بذلك هى سورة قريش، وسمى المال الكثير خيرا بقوله تعالى فى صفات الإنسان: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات: ٨]، وقوله تعالى فيمن يحضره الموت: إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ [البقرة: ١٨٠].

وإنما كان المؤمنون المتقون لله الشاكرون لنعمه أحقّ بنعم الدنيا من الكافرين لنعمه والفاسقين الظالمين، لأنهم أحقّ وأجدر بالشكر عليها، والشكر استعمال النعمة فى الحكمة التى منحت لأجلها من الحق والعدل والإحسان والبر والعمران، وهو الذى يرضى الله تعالى فيها، ومن سننه تعالى فيها أنّ الشكر لها بهذا المعنى سبب للمزيد

منها، وأن الكفر لها بسوء استعمالها سبب لسلبها أو لسلب فوائدها كما قال الله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ


(١) هذا معطوف على ما قبله من أول السورة (قل أوحى إلى) أى أوحى إلى أنهم لو استقاموا على الطريقة المثلى التى جاءهم بها الإسلام لوسعنا عليهم الرزق، وأصله الماء الغدق أى الكثير الذى ينبت به الزرع ويدر الضرع- (لنفتنهم) أى نمتحنهم فيه أيشكرون النعم أم يكفرونها، ومن يعرض منهم عن هداية ربه بالقرآن يدخله فى عذاب صعد (بفتحتين) أى شديد المشقة فتكون النعم سببا لتعبه وشقائه.
(٢) راجع تفسير الآية فى ص ٢٧٧، ج ١٠، تفسير المنار.
(٣) راجع فى ص ١٠٠ ج ١٠ تفسير المنار.

<<  <   >  >>