للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم: ٧] وقال الله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأنفال:

٥٣].

فالمؤمنون والكافرون يشتركون فى أسباب سعة الرزق وكسب المال من زراعة وصناعة وتجارة؛ لأن هذه الأسباب دنيوية لا تختلف باختلاف الأديان كما قال الله تعالى: كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً [الإسراء: ٢٠]، أى: ما كان ممنوعا عمن يريد به لذات العاجلة، ولا عمن يريد به سعادة الآخرة، وإنما يفضل بعضهم بعضا فى استعمال المال، فاستعماله فى الفسق والشر والظلم والسرف والخيلاء كفر للنعمة وسبب لمحقها نفسها أو محق بركتها، بكثرة الضرر والفساد المترتب عليها، فمن المشاهد أن أكثر الأغنياء المسرفين الفاسقين يفتقرون أو يصابون بالأدواء أو المصائب المنغصة، وأما الأمم المترفة المسرفة الظالمة فتضعف وقد تفقد استقلالها، واستعماله فى البر والخير سبب للمزيد فيها. وقد حققنا هذا الموضوع فى مواضع أخرى، ومنه قوله تعالى فى الزينة والطيبات من الرزق: قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ [الأعراف: ٣٢]، أى: هى لهم فى الدنيا بالاستحقاق ويشاركهم فيها غيرهم بمقتضى الأسباب، ولكنها تكون فى الآخرة خالصة لهم «١»؛ لأنهم يتوسلون بالشكر لله عليها إلى سعادتها الكاملة الدائمة.

ولولا ذلك لجعل زينة الدنيا خاصة بالكافرين كما قال الله تعالى: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (٣٤) وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف: ٣٣ - ٣٥].

أى ولولا كراهة أن يكون الناس كلهم كفارا بجعل نعيم الدنيا وزينتها للكافرين وحدهم لجعلنا لبيوتهم سقفا وأبوابا من فضة وسلالم من فضة يصعدون عليها إلى غرفات قصورهم، وجعلنا لهم فيها سررا كذلك وزخرفا أى ذهبا، وما كل ذلك إلا متاع الدنيا وهو قليل زائد. بالنسبة إلى نعيم الآخرة العظيم الدائم. ولكن الإنسان يفتتن بالحاضر المشاهد، لذلك جعل الله سعه الدنيا وزينتها بالأسباب الكسبية المشتركة، وجعل المؤمنين أحق بها وأكثر انتفاعا لشكره تعالى عليها بالاعتدال والقصد فى أنفسهم، والتوسعة على غيرهم، كما قررناه آنفا، ويؤيده ما فى القطب الخامس من إرشاد القرآن إلى حفظ المال والاقتصاد فيه.


(١) راجع تفسيرها فى ص ٢٩٨، ج ٨، تفسير المنار.

<<  <   >  >>