للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما تمادى على بعادي ... وأضرم النار في فؤادي

ولم أجد من هواه بدًا ... ولا معينًا على السهاد

حملت نفسي على وقوفي ... ببابه حمل الجواد١

فطار من بعض نار قلبي ... أقل في الوصف من زناد٢

فأحرق الباب دون علمي ... ولم يكن ذاك من مرادي

فرق القاضي لارتجاله الغرامي، وتحمل عنه جناية الباب.

وقد انتهت الغاية بنا إلى غراميات العارفين، وابن الفارض هو قائد زمامها، وقتيل غرامها. فمن قوله، في هذا الباب الذي ليس لغيره فيه مدخل، ما ألفته من تائيته، وجعلته قصيدًا غراميًّا ينتظم بها شمل الانسجام، وإذا هب نسيمها العذري تنسمت العشاق منه أخبار الغرام، وهو قوله:

نعم بالصبا قلبي صبا لأحبتي ... فيا حبذا ذاك الشذا حين هبت

تذكرني العهد القديم لأنها ... حديثة عهد عن أهيل مودتي٣

فلي بين هاتيك الخيام ضنينة ... عليَّ بجمعي سمحة بتشتتي٤

محجبة بين الأسنة والظبا ... إليها انثنت ألبابنا إذ تثنت

تتيح المنايا إذ تبيح لنا المنى ... وذاك رخيص منيتي بمنيتي

متى أوعدت أولت وإن وعدت لوت ... وإن أقسمت لا تبرى السقم برت٥

وإن عرضت أطرق حياء وهيبة ... وإن أعرضت اشفق فلم أتلفت

وقد سخنت عيني عليها كأنها ... بها لم تكن يومًا من الدهر قرت٦

فإنسانها ميت ودمعي غسله ... وأكفانه ما ابيض حزنًا لفرقتي٧

خرجت بها عني إليها فلم أعد ... إليّ ومثلي لا يقول برجعة٨

فوصلي قطعي واقترابي تباعدي ... وودّي صدّي وابتدائي نهايتي


١ الجواد: الكريم.
٢ الزناد: القبس من النار، ما تشعل به النار.
٣ أهيل: تصغير أهل للتحبب.
٤ ضنينة: بخيلة. ضدها سمحة: كريمة.
٥ أولى: أقام على الوعد. لوت: أخلفت الوعد. بر القسم: وفى به.
٦ سنحت العين: سفحت الدمع.
٧ إنسان العين: ما ترى به "البؤبؤ".
٨ القول بالرجعة من معتقدات الشيعة. وقد مر ذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>